مقالات صحفية


الهجرة… شموع تحترق لتضيء لغيرها الطريق

الثلاثاء - 20 مايو 2025 - الساعة 01:56 م

عبدالحميد السقلدي
الكاتب: عبدالحميد السقلدي - ارشيف الكاتب


ليست الهجرة كما يتخيلها البعض طريقًا إلى الراحة أو حياةً مملوءة بالفرص، بل هي في كثير من الأحيان تجربة قاسية، تبدأ بالحلم وتنتهي بالغصة. هي انتقال من الأرض إلى اللا مكان، ومن الهوية إلى المجهول، ومن الدفء إلى البرد الداخلي.

عندما نفكر في الغربة ونحن في بلادنا، أول ما يخطر في البال هو الدولار، أو بصيغة أدق: “العملة الصعبة”. لا نفكر حينها في شيءٍ آخر. لا يخطر على البال أننا سنصل إلى بلاد لا تشبهنا في شيء، بلاد لا لغتها لغتنا، ولا عاداتها عاداتنا. ولا ندرك أننا سنكون هناك كالأعاجم، لا نفهم ولا نُفهم، وأن الكلمات قد تصبح قيدًا، والعجز عن التعبير جرحًا نازفًا. إنها الغربة يا سادة… ليست كما تظنون.

الهجرة تُشبه السفر في صحراء بلا دليل، تُجبرك على المشي وحدك، بينما تحمل على ظهرك ثقل وطنٍ لا يفارقك. تدخل الغربة غريبًا في لغتها، في ثقافتها، في قوانينها، حتى في تفاصيل يومها العادي. تبدأ من الصفر، وربما من تحته، لا لغة ولا وظيفة ولا سند، سوى الأمل.

في الماضي، كان المهاجر يَشدّ الرحال إلى المزارع. يعمل تحت الشمس وفي الطين ليؤمّن قوت يومه ويرسل لأهله ما تيسّر. واليوم، تغيّر شكل الغربة، فاستُبدلت المزارع بالدكاكين، لكن الوجع نفسه لم يتغير، ولا الغربة خفّت حدتها.

الغربة تُجرّد الإنسان من كثيرٍ من الأشياء: من قبيلته، من مكانته، من كرامته الوظيفية أحيانًا. تجد من كان في وطنه محترمًا، هنا يخدم في الحمامات، أو يرمي براميل القمامة. ليس لأنه لا يملك كرامة، بل لأن الغربة تُعلّم درسًا عظيمًا: أن العمل شرف، وأن لا عيب في أن تكسب رزقك بعرقك. بل إن العمل، مهما كان متعبًا ومُهينًا، هو نعمة لا يدركها إلا من ذاق مرارة الحاجة.

والغربة لا تكتفي بتجريدك، بل تُعيدك إلى نقطة البداية، تربيك من جديد على طريقتها، وتُعيد تأهيلك لأيامها وسنينها. لا تُفرّق بين شهادتك التي أتيت بها، ولا بين جهلك الذي عشته في بلدك. تُعيد صقلك من الصفر، وتُعلّمك أن الحياة في الغربة ليست سهلة، بل تحتاج إلى كفاح دائم، وتحمّل فوق الطاقة أحيانًا.

وفي زحمة هذه الغربة، تمضي السنين، وتذبل الأرواح. قد تغيب عن أبنائك وأحبابك سنوات طويلة، وحين تعود، لا أحد يسأل عن تعبك أو غربتك، بل عن “ماذا عملت؟ وماذا جلبت معك؟”. يتحوّل الاغتراب إلى معادلة مادية باردة، يُقاس فيها الإنسان بما أنجز، لا بما تحمّل.

ومع ذلك، يظلّ المهاجر كشمعةٍ تضيء الطريق لغيرها. تحترق في صمت، لكن نورها يُنير حياة من حولها. يكدّ، ويتعب، ويُؤمّن لأسرته حياةً أفضل، ولو كان الثمن هو نفسه.

الهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل هي امتحان طويل للنفس والصبر والكرامة. وهي في النهاية، تجربة تصقل الروح، وتعيد تعريف معنى الكفاح.

ويبقى السؤال مفتوحًا: من المسؤول عن كل هذا الألم؟
هل هو النظام الذي عجز عن احتواء أبنائه؟ أم الصراعات السياسية التي أحرقت أحلام الشباب؟
أم نحن… حين صدّقنا أن الغربة خلاص، وأن الطمع في العملة الصعبة أهم من دفء الوطن؟
سؤالٌ بلا إجابة، لكنه يطارد كل مغترب مع كل غروب شمس.




الأكثر زيارة


بموكب جنائزي مهيب .. الضالع تشيع الشهيد علي أحمد مصلح إلى مس.

السبت/13/سبتمبر/2025 - 08:14 م

وسط حضور شعبي وقيادي كبير وفي موكب جنائزي مهيب شيعت مديرية الشعيب ومحافظة الضالع ظهر يومنا هذا السبت 13 سبتمبر 2025 جثمان الشهيد البطل علي أحمد علي مص


سياسي موالي للحـ.ـوثيين يخرج عن صمته ويبشر بنهاية مدوية لجما.

السبت/13/سبتمبر/2025 - 08:08 م

أثار الكاتب والسياسي الموالي سابقًا لجماعة الحوثي، محمد المقالح، جدلاً واسعًا بين صفوف الميليشيا ومؤيديها، بعد أن شن هجومًا نادرًا وحادًا على قيادات ا


اختطـ.ـاف امرأة وابنها وتعـ.ـذيبهما حتى المـ.ـوت في جـ.ـريمة.

السبت/13/سبتمبر/2025 - 04:44 م

أعلنت الأجهزة الأمنية في محافظة شبوة عن فتح تحقيق واسع في جريمة مروعة راح ضحيتها امرأة مسنة وابنها، بعد تعرضهما للاختطاف والتعذيب على يد مجموعة مسلحة


تفاصيل صادمة | أمن العاصمة عدن يكشف تفاصيل واقعة سقوط فتاة م.

السبت/13/سبتمبر/2025 - 01:09 ص

باشرت شرطة مديرية المنصورة، فجر اليوم، التحقيق في واقعة سقوط فتاة من إحدى الشقق السكنية في عمارة "الجبل" بشارع القصر خلف ساحة الشهداء، بعد تلقي بلاغ ع