مقالات صحفية


تغيير الصيغة وليس الأفراد

الجمعة - 04 يوليو 2025 - الساعة 08:08 ص

د. عيدروس نصر ناصر
الكاتب: د. عيدروس نصر ناصر - ارشيف الكاتب


لا تعني لي كثيراً التسريبات التي نراها ونسمعها على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وبعض الإصدارات الورقية والتي تتحدث عن قرب استبعاد رئيس مجلس الرئاسة رشاد العليمي، واستبداله بفلان أو علَّان أو بفلان وعلَّان معاً، فهذه التسريبات حتى وإن صدقت وجرى تنفيذ ما تقوله، فإنها لن تغيرَ في الأمر شيئا، لأنها تركيبتها وصيغتها مثل سابقتها تقوم على معطيات مختلة ومعادلات غير صحيحة وغير قابلة للحل.
وبعبارة أخرى فإنه ومن أجل الحل الجذري لمعضلة الانهيار الاقتصادي والمعيشي والخدمي في الجنوب أولاً ثم للأزمة اليمنية برمتها ثانياً فإن المطلوب هو إعادة تركيب الصيغة التي بنيت عليها مبادرة تشكيل مجلس الثمانية، ومعه ما سمي قبل ذلك بحكومة المناصفة.
ماذا يعني ذلك؟
إن الأزمة اليمنية، هي أزمتان أزمة تتعلق بثنائية الشرعية والانقلاب، أو السلطة المعترف بها وجماعة الحوثي التي انقلبت على الدولة (التي كانت ذات يومٍ شرعية)؛ وهذه الأزمة هي شمالية-شمالية صرفة، وللبحث لها عن حلول جادة، لا بد أن تكون هذه الحلول شمالية وعبر الشماليين ومن أجل الشعب الشمالي صاحب الحق في اختيار من يدير شؤون بلاده.
الأزمة الثانية، وتتمثل بالقضية الجنوبية وإصرار القوى النافذة على عدم الاعتراف بها، وفي هذا الموقف من قبل النخب السياسية الشمالية النافذة يتساوى الانقلابيون والنازحون السياسيون، والحكام والمعارضون، فلو إنك سألت وزيراً أو قائداً سياسياً أو أستاذاً جامعياً أو حتى عاملا أو موظفاً حكومياً أو لدى القطاع الخاص، من أبناء الشمال حول مفهوم القضية الجنوبية ووسيلة حلها، لما اختلف في ذلك الشرعي النازح أو الحوثي المسيطر على الشمال، ولا اختلف في ذلك المؤيد لشرعية علي عبد الله صالح أن من ناصر الثورة عليه في العام 2011م.
إذن حل القضية الجنوبية لا يمكن أ، يأتي من خارج الجنوب، بل يجب أن يكون جنوبيا ومن صنع الجنوبيين أنفسهم، فهم من ضحى بعشرات الآلاف من أبنائهم وكابدوا الويلات وتحملوا القمع والإرهاب والتنكيل على مدى ربع قرن من أجل قضيتهم وفي سبيل استعادة حقهم في الحياة الحرة الكريمة الذي يعبث به النافذون الشماليون، في الشرعية والانقلاب على السواء.
سيقول قائل: دعك من هذه الأمور الكبيرة وحدثنا عن أزمة الخدمات وانهيار المعيشة وتدهور سعر الريال وهبوط القدرة الشرائية للمواطنين الجنوبيين واقتراب الأمراض المستفحلة من أن تغدو حالة وبائية خارج السيطرة!
ومن يقول بهذا لديه ألف حق في ما يقول، لكن ما لا يدركه الكثيرون، هو أن هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه الجنوبيون ما هو إلا استمرار لنتائج حرب 1994م، إنها نفس الحرب ولكن هذه المرة بوسائل غير القصف والتدمير وغارات الطيران وسنابك الدبابات وجماعات الإرهاب والقتل المعلن.
إن حرب الخدمات وسياسات التجويع ما هي إلَّا وسيلة عقابية ضد الشعب الجنوبي الذي قاوم السلطات العفاشية بعيد غزوة 1994م البغيضة، وواصل مقاومته من خلال ثورة الحراك السلمي الذي ضرب أروع الأمثلة في الصمود التضخية في وجه أعتى قوة وأقبح عدوان كان يقوده الرئيس الحالي للجنوب رشاد العليمي حينما كان وزيراً للداخلية ورئيسا للجنة الأمنية ونائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، وهو اليوم يواصل نفس الحرب بوسائل التجويع والترويع والتركيع بعد أن ظفر الجنوبيون بانتصارهم الساحق على التحالف الحوثي العفاشي في العام 2015م.
نعود للتأكيد على إن المطلوب ليس تغيير الأفراد، لأن الأفراد لا يعنون شيئاً عندما يكررون نفس الوسائل ونفس الأدوات في محاولة تحقيق نتائج مغايرة للنتائج الخائبة التي حققها أسلافهم، لكن المطلوب تغيير المعادلة وطريقة إدارتها.
إننا يمكن أن نقبل بالصيغة الترقيعية التي صنعتها المبادرة الخليجية والتي فشلت فشلاً ذريعاً في حل الأزمة اليمنية وما الانقلاب الحوثعفاشي في 2014م إلّا برهاناً على ذلك الفشل، لكن القبول بهذه الصيغة ينبغي أن يقترن بشرط أن تتغير طريقة التطبيق، وأن يكون هذا الحل مؤقَّتاً ومزمَّناً.
وما نعنيه هنا هو إن الأزمات القائمة اليوم لن تتزحزح من على رقاب المواطنين إلَّا بالإقرار بأن من حق الجنوبيين أن يديروا جنوبهم ومن حق الشماليين أن يديروا شمالهم.
لقد أخفقت تجربة إدارة الشمال من قبل رئيسٍ جنوبيٍ، مثملا أخفقت تجربة أن يدير الجنوب رئيسٌ شماليٌٍ.
ومن هنا فإن الصيغة التي نتحدث عنها يجب أن تقوم من خلال ما يلي:
أن يكلف رئيسٌ جنوبيٌ لإدارة البلاد باعتبار الأرض والشعب والموارد والثروات والانتصار العسكري، كل هذا حقٌ جنوبيٌ، ولا يمكن أن يؤتمن عليه الوافدون من خارج الجنوب.
وكي لا تهمل قضايا الشمال، يتم تكليف نائب رئيسٍ شمالي، تتلخص مهماته في الإشراف على الملف الشمالي، حتى إنهاء الأزمة الشمالية بين الحوثيين والشرعيين الشماليين حرباً أو سلماً.
وبمثل هذه الصيغة يمكن الحديث عن تكليف حكومة برئاسة شخصية جنوبية وعضوية وزراء جنوبيين وتكليف حكومة مصغرة شمالية تتولى إدارة الملف الشمالي تحت إشراف نائب رئيس الجمهورية الشمالي، على إن لا يتجاوز عدد وزراء الحكومتين عدد وزراء الحكومة الراهنة.
قد يقول قائل ما الذين يضمن نجاح الرئيس ونائيه والحكومتين في تحقيق مهماتهم؟
هذا السؤال مشروع، لكن هذه الصيغة ستمكن القاعدة الشعبية الجنوبية والشمالية من محاسبة الفرد أو الجماعة الفاشلة، ونقولها بصراحة لقد صار انتقاد الأفراد أو وسائل الإعلام أو النخبة السياسية الجنوبية للحكام الشماليين مصدراً للاتهام بالشطرية (في هذا البلد المشطَّر أصلاً) والعنصرية والنزوع إلى الانفصال، وهذه قد أصبحت اتهامات مشرفة بالنسبة لأغلب الجنوبيين، لكننا نرى أن النقد والمطالبة بالمحاسبة لا ينبغي أن تقتصر على المسؤولين القادمين من الشمال، بل إن الصيغة الجديدة المقترحة، ستضع الكادر القيادي الجنوبي أمام مسؤوليته الحقيقة فإما النجاح وإلَّا المحاسبة والاستبعاد، وهو ما ينطبق على الأشقاء الشماليين في علاقتهم بقاعدتهم الشعبية التي يمثلونها ويفترض أن يقودوها لتحقيق آمالها وتطلعاتها
والله ولي الهداية والتوفيق.





الأكثر زيارة


مائة ألف دولار تؤجّل صداماً سياسياً بين بن بريك والعليمي.

الجمعة/04/يوليو/2025 - 11:30 م

تخيّل أن يطلب منك أحدهم مرافقته في رحلة محفوفة بالمخاطر، تمضي معه الثلث الأول من الطريق، ثم يلتفت إليك فجأة ليقول: الماء والخبز من الآن فصاعدًا تحت تص


إعادة تصدير النفط مقابل تشغيل مطار صنعاء .. تفاصيل صفقة بين .

الجمعة/04/يوليو/2025 - 08:22 م

أفادت مصادر صحفية أن زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى عدن مؤخراً، حملت تطوراً لافتاً في المسار السياسي والاقتصادي، حيث ناقش مع رئيس


أسعار الذهب اليوم الجمعة في اليمن.

الجمعة/04/يوليو/2025 - 10:03 ص

شهدت أسعار الذهب في الأسواق المحلية اليمنية، اليوم الجمعة، استقرار نسبي في عدد من العيارات، وعلى رأسها الذهب عيار 21 وأوقية الذهب، وسط تفاوت واضح بين


الحو....ثيون يطردون الشيخ يوسف الشرعبي من سكنه بعد أيام من ا.

الجمعة/04/يوليو/2025 - 03:45 م

في خطوة تعكس تصعيدًا ممنهجًا لسياسات الإقصاء التي تنتهجها مليشيا الحوثي ضد رجال الدين المستقلين، أقدمت المليشيا على طرد الشيخ يوسف الشرعبي، إمام وخطيب