قدمنا شهداء..

الثلاثاء - 09 سبتمبر 2025 - الساعة 01:12 ص

الكاتب: علي شايف الحريري - ارشيف الكاتب

هذه العبارة هزّت وجداني، كانت تصرخ بها امرأة في الثلاثينات من عمرها، تبكي بحرقة، معاقة في قدمها، ترتدي البرقع والحجاب.

كان صوتها صوت صاحب حق، تتلفّت يمينًا ويسارًا علّها تجد من يقف معها.

صادفتها في مكتب الإسكان والإنشاءات في خور مكسر، كنت قد مررت للسلام على زميل هناك، فوجدتها تتحدث مع أحد مسؤولي الإسكان، تحمل بيدها ملفًا يحوي تعليمات وأوراقًا تخص أرضًا في بصولبان، ولا ينقصها سوى بعض الإجراءات.

وعندما رُفض طلبها، انفجرت باكية:
"حرام عليكم! تصرفون الأراضي لشماليين، وأنا ساكنة بالإيجار، معاقة ومعي أطفال، وصاحب البيت يطردنا.
أبي شهيد..
عمي شهيد..
أخي شهيد..
ابن أخي شهيد..
ابن عمي شهيد..
ابن أختي شهيد.."

وحين لمحتني واقفًا، وجّهت كلامها نحوي:
"يا فندم علي، كلّمهم! أنا بنت من أخبرهم؟ أين أهلي الذين سقطوا؟ ومن أجل من قدّموا حياتهم؟ ونحن اليوم حتى بلا بيت! أنت تعرفنا، وابن أخي الشهيد كان معك أكثر الوقت قبل أن يقتلوه.."

كنت أعرفها جيدًا، وأعرف عائلتها.. أسرة شجاعة ومناضلة، سقط والدها وعمّها شهداء ، وسقط أخوها وابن أخيها وابن عمها وابن أختها في الحرب ضد الحوثيين.

حاولتُ أن أهدّئها وطلبت نسخة من الملف، وبذلت جهدي مع المسؤولين في الإسكان، لكني لم أوفّق، رغم أن التوجيهات كانت واضحة ومستحقّة.

تذكّرت عبارتها تلك عندما قرأت في "الفيسبوك" منشورات تسخر من عبارة "قدّمنا شهداء".
قد يقولها البعض طمعًا أو استحواذًا وهو لم يقدّم شيئًا، لكن عندما تسمعونها من أيتام الشهداء فإنها تُوجع القلب. فلا تسخروا من الكلمة، وتأكدوا أولًا ممن يقولها، فربما يقولها صادقًا من أعماق قلبه، يستجدي وقفتكم، وهو لا يجد ما يسدّ جوعه أو يستر أطفاله بعدما قدّم المعيل حياته في سبيل الخلاص، معتقدًا أنه سيترك أهله في عيش كريم.
.

المرأة من الضالع احتفظ باسمها وملفها موجود سوف اعطيه اي مسؤول فيه وفاء ووطنية قادر على مساعدتها ..

علي شايف الحريري