مقالات صحفية


صنعاء بين سبتمبرين

الثلاثاء - 23 سبتمبر 2025 - الساعة 11:21 م

احمد عبداللاه
الكاتب: احمد عبداللاه - ارشيف الكاتب


بين مَلَكية شابّة مُقَنّعة وجمهورية شاخت وتآكلت تتأرجح صنعاء ومعها سبتمبر (المنقسم) ما يزال يحمل أسفاراً على بوابة تاريخ يؤلفه الأضداد في الداخل والخارج.

في الحدث السبتمبري 2014، الذي أسس عهداً مختلفاً، خرجت صنعاء فعلياً من يد "الرئيس" ومن يد "الزعيم" ومن يد "الشيخ" ومن أيدي راكبي الثورات ومحدثي هزات الميادين والميديا. خرجت في ليلة ليلاء واختفت في جيب الإمام المستجد، فانسحبت "أحزاب وهامات ورموز" كان ينبغي عليها أن تُظهر نوعاً من التماسك والصمود وتثبت لشعبها أنها حاولت بدمائها... وأن للحرية ثمن باهظ هي قادرة أن تدفعه.

لكنها لم تفعل بل تهاوت مثل كوخ من القش تاركةً خلفها صدى صياح الجماهير في ساحات "ارحل".. صدى الدماء النازفة، والسواعد التي ارتفعت ثم انكسرت كعيدان القصب... لتؤكد بأن من يركب الثورات بحثاً عن سلطة لن يكون مؤهلاً للدفاع بدمائه عن وطن، فالأوطان في قاموسهم حفنة تراب إما أن تحكمها أو أن تجرها نحو الانهيار لتُروى بدماء ساكنيها.

هناك صنعاء ما تزال بانتظاركم أيها الأخوة "المتعطشون لرائحة الحرية" التي ادعيتم زراعتها في دوّار الجامعة حين ضربت اقدامكم أرضاً هشة أخرجت من جوفها صهارات حملت كل أوساخ الحقب المدفونة وما لبثت بعد "حواركم" أن تدفقت وتشعبت حتى طاحت حريتكم. فهل تستعيدون صنعاء أم تستعيدكم؟

لم تعد هناك جمهورية عدا اسم على ورق ولم تعد هناك وحدة عدا لقب ذابل، منشور على حبل غسيل فضائي، ولم تعد هناك نخب سياسية حقيقية عدا أسماء مستقرة في عمق جراحات هذا البلد. وكأن صنعاء تقول مهما كانت صفة الطرف المنتصر الآن فالأمر لا يتعدى أن يكون تبادل مواقع بين الموتى، فجميعهم ينتمون إلى الأزمنة الغابرة.

إن المفاهيم والاصطلاحات التي يكرسها ساسة ومثقفون ورجال دين حين تبتعد عن مدلولاتها الحقيقية في الواقع والحياة فإن ذلك يشير إلى خلل في منظومة القيم. ومع ذلك ما تزال النخب السياسية على اختلافها تفرض تلك الاصطلاحات التي لا تجد ما يشابهها على الأرض. فأين الجمهورية في منهج الإمام "الحوثي"؟ وأين الوحدة العادلة والديمقراطية في عقلية "الإخواني" المتجمد الذي لا يؤمن بفكرة الوطن؟ وأين الوطن الكبير في وجه من يعتبر الآخرين مجرد رعايا واتباع؟

صنعاء ليست غرناطة، ومن هاجروا منها ليسوا مورسكيين هربوا بدينهم من شبه الجزيرة الإيبيرية. أما "فتحها"، وفقاً للمعادلة الراهنة، فلا يبدو ممكناً، لكنها في حالة "السلام الهش" ستستقبل العائدين فرادى وجماعة في عملية بطيئة أشبه بـ "التفويج المتدرج". فمجريات الحرب منذ سنوات عززت هزيمة الشرعية التي حلت بها في عشية 21 سبتمبر 2014، بل و قدمت للعالم مبررات تلك الهزيمة.

صنعاء أسيرة مصابها، والبلد كله بأمسّ الحاجة إلى هواء جديد و فضاءات رحبة. ومن هنا فإن الاعتراف بالواقع في الشمال والجنوب، والوقوف على جذور الصراعات الدائرة، يشكّل البداية الحقيقية لتشخيص الأزمات، بما يفتح الطريق نحو الخروج منها. وما عدا ذلك، فسيظل الخطاب السياسي يقرع طبولاً لا تنتظم مع حركة الواقع وتعقيداته.

في خاتمة المطاف الصنعاني يمكن القول إن تلك المدينة لا تسكن على جبل النار المطل على بحر قزوين كما أنها لا تقيم على منحدرات جبل نمرود.. بل هي متشبثة بسلسلة جبالها (البلدي)، تلك التي تأتي من خلفها غيوم الصيف المهاجرة من وسط أفريقيا.. تحيطها منذ الأزل مهما تعاقب الحكام عليها، لتبقى عاصمة بلد الهموم المتوارثة حتى تتحرر من سطوة القوى الظلامية والعسكرية القبلية وتفتح سماواتها لمستقبل مختلف تحمله سواعد من يهتفون: بلد الهموم نحن هنا.





الأكثر زيارة


عدن وهذه المحافظات على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.

الخميس/25/سبتمبر/2025 - 03:31 م

توقع المركز الوطني للأرصاد والإنذار المبكر هطول أمطار رعدية على عدد من المحافظات خلال الـ24 ساعة القادمة. وقال المركز، في نشرته التحذيرية، إنه يتوقع ه


المركزي بعدن يوضح آلية صرف المرتبات عقب الدعم السعودي.

الخميس/25/سبتمبر/2025 - 02:32 م

استعرض مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في اجتماعه الدوري التاسع الذي عقد مساء اليوم. برئاسة محافظ البنك المركزي رئيس مجلس الإدارة وبحضور بقية الأعضاء


ضربات صنعاء.. الحو.ثي يقلل من خسائره ومصدر يفضح الحصيلة «الث.

الجمعة/26/سبتمبر/2025 - 02:06 ص

اعترفت مليشيات الحوثي، أمس الخميس، بمقتل عنصرين وإصابة 48 شخصا آخرين في الضربات الإسرائيلية الجديدة على العاصمة صنعاء. وكانت طائرات إسرائيلية دمرت منز


الرئيس الزُبيدي: التطورات الراهنة تكرّس واقع دولتين.

الخميس/25/سبتمبر/2025 - 02:35 م

قال الرئيس عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة، في تصريحات لصحيفة الجارديان إن الواقع على الأرض هو وجود دولتين عسكر