المهاجر ملكًا في عيون الآخرين .. سجينًا في عين نفسه
الجمعة - 13 يونيو 2025 - 02:33 ص
صوت العاصمة | خاص | أبو قصي الأشرم
في عالمٍ يُعجب بالفوضى، ويزدحم بالطموح والتقدم،
وفي عصر التكنولوجيا، أصبح عند الناس هوسٌ في التنافس بأي طريقة كانت،
بغض النظر: شريفة أو متسخة بقذارة الفكرة.
في ظل هذا القانون المصبوغ بنجاسة المال والمظهر،
صار الناس طبقات: غني وفقير، مغترب ومواطن.
ظاهرها: المهاجر هو المنتصر، والمميز، وصاحب الحظوة.
وواقعها معاكس لذلك كله.
المسكين يبكي الساعات، وهو يعد الثواني والدقائق، حنينًا إلى وطنه وأهله.
يتصابر الأيام، ويتجرع مرارتها لكسب قوت أولاده،
بغض النظر في أي بلد كان وكم يتقاضى،
إلا أنه سليب الحرية، مكسور الجناح، موجوع الجانب، مفطور القلب،
حزين العينين، ضحوك في وجه الآخرين.
خواطره كلها معلقة في السفر والعودة إلى حضن الأحباب وقلوب المحبين.
ولا يعرف هذا الحال إلا من عاصر الفراق، وتجرّع البعد والحرمان،
في بلاد ليست بلاده، وأرض هو فيها غريب،
يُعارك كل الأحاسيس، يُضارب كل المشاعر، عكس التيار.
وما يزيد أوجاعه، أنه في عيون الآخرين:
ذلك الباهي، المُهاب، الجميل، ممتلئ الجيوب، وافر المال، سعيد الحظ،
فرّ من الشقاء إلى النعيم، تغازله حتى نجوم السماء،
وتظلّه الغيمة اللعوب والكواكب المنيرة.
يا له من مسكين!
ستر ألمه حين رفّه على نفسه بقرشين،
وفكّ ضيقته بنفس سيجارة غالية الثمن، وقاتٍ ثمين السعر.
صار في عيون المواطنين ملكًا يُلجأ إليه، ويُرجى جانبه،
وكأنه مانسا موسى زمانه، الذي لا ينضب ذهبه،
ولا تفرغ خزائنه، ولا يُرَدُّ عنده أحد.
وهنا حلّت المصيبة على رأس الجريح،
وبلغ الحُمّى نخاع الميت، الذي يصارع دروب الحياة،
ويحاول أن يصنع له مستقبلًا بسيطًا،
يقتات منه وقت عوزته، ويعلّ من دخله شيبته وهرمه،
ويأمَن باقي الحياة.
ولكن كيف يُقنع هؤلاء؟ وكيف يمنع ذلك؟
فالدنيا في عين الشهم البطل مواقف،
والرجولة وعود وعهود، وقد تكون كلمات.
وما قيمة المرء إن فرّط في شيء يراه من قيم الرجولة ومبادئ الحياة؟
وهنا يهلك المسكين، وينحلّ حاله، ويُنضَر اقتصاده، ويتضرر عيشه،
والحال هو الحال من صديق إلى آخر:
هذا بحجة دين، وآخر له قريب عليل، وأخ مريض.
والحاجة أمُّ الاختراع، والكذب مولودها، والاحتيال حالها.
وهكذا تدور العجلة، ولا تتوقف،
وعلى الباغي تدور الدوائر…