ثورة 14 أكتوبر جذور المجد ونبض الاستقلال المتجدد
الخميس - 09 أكتوبر 2025 - 12:52 ص
صوت العاصمة / تقرير / مريم بارحمة:
في فجر الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م، دوّى صدى الرصاص الأول من جبال ردفان الشماء، مُعلنًا ميلاد الثورة الجنوبية ضد أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ الحديث — بريطانيا، الدولة التي "لا تغيب عنها الشمس". كانت تلك اللحظة فاصلة في تاريخ الجنوب العربي، لحظة اختزلت عقودًا من الاضطهاد والتحدي، وبشّرت بعصر جديد عنوانه الحرية والسيادة والكرامة الوطنية.
-ردفان.. شعلة الثورة ومهد البطولة
من قمم ردفان انطلقت الشرارة، وهناك سُطّر أول فصل من فصول الكفاح المسلح. واجه الثوار، بقيادة البطل راجح بن غالب لبوزة ورفاقه، قوات الاحتلال البريطاني التي فرضت حصارًا خانقًا على ردفان استمر قرابة أربع سنوات. لم يكن الحصار عسكريًا فقط، بل اقتصاديًا وإنسانيًا أيضًا، إذ استخدمت بريطانيا مختلف أساليب القمع — من القصف الجوي إلى تدمير القرى وتشريد الأهالي — في محاولة لإخماد الثورة.
لكن أبناء ردفان والجنوب لم يلينوا، بل حوّلوا الحصار إلى ملحمة صمود أسطورية دخلت التاريخ العربي من أوسع أبوابه.
-عدن.. عاصمة النضال وصرخة الجماهير
في العاصمة عدن، النابضة بالنضال، تصاعدت موجات الغضب الشعبي ضد الوجود البريطاني. خرجت التظاهرات في شوارع المعلا وكريتر والتواهي، يهتف فيها الرجال والنساء والأطفال من أجل الحرية. واجه المتظاهرون بنادق جنود الاحتلال بصدور عارية، وسقط الشهداء بالعشرات، لكن كل قطرة دم كانت وقودًا جديدًا للثورة، ورسالة للعالم بأن الجنوب ماضٍ نحو حريته مهما بلغت التضحيات.
-وحدة الصف الجنوبي.. سر الانتصار
من أبرز سمات تلك المرحلة التاريخية الفريدة، التكاتف والتآزر بين أبناء الجنوب بمختلف مكوناتهم ومناطقهم. فالثورة لم تكن حكرًا على منطقة أو قبيلة، بل كانت تعبيرًا صادقًا عن وجدان شعب بأكمله توحد ضد الاستعمار. امتزجت الدماء في ردفان وعدن والضالع ولحج وأبين وحضرموت، في مشهد وطني نادر، جعل من الوحدة الجنوبية قوة لا تُقهر.
هذا التضامن الشعبي كان العامل الحاسم في حسم معركة الاستقلال في نهاية المطاف، وأكد أن الجنوب لا ينتصر إلا حين يتوحد خلف قضيته الوطنية.
-القصة التي بدأت من البحر.. حكاية السفينة "داريا دولت"
ولكي تُفهم جذور الاحتلال، لا بد من العودة إلى عام 1839م، حين اتخذت بريطانيا حادثة السفينة البريطانية-الهندية “داريا دولت” ذريعة لاحتلال عدن.
فقد زعمت بريطانيا أن السفينة تعرضت للنهب بعد جنوحها قرب السواحل العدنية، فأرسل الكابتن البريطاني "هنس" أسطولًا بحريًا لاحتلال المدينة بحجة حماية مصالح الإمبراطورية.
ومنذ ذلك التاريخ، تحولت عدن إلى قاعدة استعمارية استراتيجية، تُدار منها شؤون البحر العربي وخطوط التجارة العالمية.
لكن ما بُني على الباطل لم يدم، إذ جاءت ثورة أكتوبر لتُنهي أكثر من قرن من الاحتلال وتعيد للجنوب هويته الحرة المستقلة.
-30 نوفمبر 1967م.. نصر الإرادة الجنوبية
لم يكن انتصار الجنوب في نوفمبر 1967م على بريطانيا محض صدفة أو هبة من أحد، بل كان ثمرة تضحيات جسام وكفاح طويل خاضه الأجداد والآباء بصلابة نادرة.
كان النصر يومها إعلانًا بأن الجنوب قادر على مواجهة أعتى القوى، وأن إرادة الشعوب حين تتوحد قادرة على تحطيم المستحيل.
ذلك اليوم لم يكن نهاية المعركة فحسب، بل بداية الوعي الوطني الجنوبي، الذي ما زال متقدًا في قلوب الأجيال المتعاقبة حتى اليوم.
-الجنوب اليوم.. امتداد لمسيرة التحرر
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال الأول، يجد الجنوب نفسه في مرحلة تحرر جديدة ضد أشكال مختلفة من الهيمنة والتآمر.
تجارب التاريخ أكدت أن الجنوب لا يرضى بالوصاية، وأنه قادر على النهوض كلما حاول الآخرون إجهاض حلمه.
ولذلك، فإن أي مفاوضات أو حلول لا تعبّر عن تطلعات شعب الجنوب المكافح لا تمثله، ولن توقف مسيرته النضالية.
شعب الجنوب قدّم آلاف الشهداء والجرحى، ويدرك أن الوفاء لدمائهم يعني التمسك بالهدف الأسمى: استعادة دولة الجنوب الفيدرالية كاملة السيادة.
-القائد عيدروس الزُبيدي.. استمرار المسيرة التاريخية
في هذا السياق، يبرز الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزُبيدي بوصفه الامتداد الطبيعي لقيادة الثورة الجنوبية الحديثة.
فمنذ إعلان عدن التاريخي في مايو 2017م، مُنح الزُبيدي تفويضًا شعبيًا لقيادة مسيرة التحرر نحو الدولة الجنوبية المنشودة.
ويُجمع الجنوبيون على أن الزُبيدي اليوم يجسد إرث الأبطال الذين فجّروا ثورة أكتوبر، فهو يقود بصلابة سياسية وعسكرية مشروع استعادة الدولة، ويمثل رمز الثبات والإجماع الوطني الجنوبي.
-نحو الجنوب الفيدرالي الكامل السيادة
الجنوب اليوم لا يستعيد فقط تاريخه المجيد، بل يصوغ مستقبله بخطى واثقة.
فالدروس المستخلصة من ثورة أكتوبر وما تلاها، تؤكد أن القوة في الوحدة، وأن النصر لا يتحقق إلا بإرادة شعبية راسخة، تؤمن بحقها المشروع في تقرير مصيرها.
ومن جبال ردفان التي انطلقت منها الشرارة الأولى، إلى كل شبر من أرض الجنوب، يبقى النداء واحدًا:
لا بديل عن استعادة دولة الجنوب الفيدرالية المستقلة، كاملة السيادة على أرضها وثرواتها وقرارها.
هكذا تتواصل ملحمة الجنوب بين الأمس واليوم — من ثوار 1963م إلى جيل 2025م — في مسار واحد عنوانه الحرية والكرامة والهوية.
ثورة أكتوبر لم تكن حدثًا عابرًا، بل كانت فجرًا دائمًا يضيء درب الجنوب نحو المستقبل.
من ردفان إلى عدن.. عهدٌ للشهداء
من جبال ردفان التي أطلقت الشرارة الأولى، إلى شوارع عدن التي احتضنت الجماهير الثائرة، يبقى العهد واحدًا لا يتغير: أن الجنوب لا يساوم على حريته.
لقد مضت عقود، وتبدلت الوجوه، لكن الروح التي تفجّرت في أكتوبر 1963م لا تزال حيّة في ضمائر الأجيال.
دماء الشهداء التي روت تراب ردفان وعدن والضالع وأبين وحضرموت لم تكن عبثًا، بل كانت بذورًا لحلم لم يمت — حلم الدولة الجنوبية الحرة الكاملة السيادة.
اليوم، يمضي الجنوبيون على درب أجدادهم بثبات، يحملون راية النضال بوعي جديد، وإصرار لا يلين.
ومن ردفان إلى عدن، يتجدد العهد مع الشهداء: أن الجنوب سيبقى وفيًا لقضيته، متمسكًا بهويته، ماضياً نحو استعادة دولته الفيدرالية المستقلة، مهما طال الطريق.