من حرّر الأرض يُهان… ومن لم يُطلق رصا.صة يتحكّم بالمصير
الخميس - 09 أكتوبر 2025 - 07:43 م
بقلم: د. سالم أحمد مثنى البكري
بينما يقف الجنود على تخوم النار يواجهون الموت بصدور عارية، يقف القادة في القصور بين موائد عامرة، يتباهون بنصر لم يصنعوه. هناك رجال يذوبون جوعًا في الجبهات، وهنا آخرون يغطون أنفسهم بترف السلطة. مأساة وطنٍ نُكسَت رايته على أيدي من ادّعوا حمايته، وامتحان شرفٍ فشل فيه الكثير ممن رفعوا شعار "القضية" ونسوا من ضحّى لأجلها.
أيّ منطقٍ هذا الذي يجعل الجندي الذي حرّر الأرض، وواجه الموت في ميادين القتال، يعيش اليوم بلا راتبٍ لثلاثة أشهر، بينما من لم يُطلق رصاصةً واحدة يتنعم في القصور ويتقاضى الملايين؟ أين العدل وأين الكرامة التي تتحدث عنها قيادة المجلس الانتقالي وهي تتباهى بالنصر والسيادة، في حين أن جنودها الحقيقيين يتضورون جوعًا في الخطوط الأمامية؟
الجندي الجنوبي الذي حرّر الأرض وسقى ترابها بدمه، يبحث اليوم عن لقمة لأطفاله كما يبحث عن الماء في الصحراء. قاتل الأمس أصبح فقيرًا، والمحرر مهمش، بينما من لم يشارك في معركة يعيش مكرمًا ويتقاضى الملايين. وفي المقابل، يعيش أبناء وذوو الشهداء معاناة مزدوجة: فقدوا آباءهم الذين ضحّوا بحياتهم، وهم اليوم ينتظرون المساعدات والرواتب التي لا تصل، ويجدون صعوبة في تأمين أبسط مقومات الحياة. أي عدل هذا؟ وأي منطق يكافئ الصامت ويعاقب المقاتل ويترك ذوي الشهداء بلا سند؟
أين تذهب الإيرادات التي تُجمع يوميًا من النقاط والموانئ والأسواق؟ أليست هذه الأموال من حق من يواجهون الحوثيين ويحرسون أمن الجنوب؟ كيف تُختفي الملايين بينما الجنود بلا رواتب، يعيشون بالجوع والإيمان فقط، فيما الآخرون ينعمون بثمار جهودهم؟ كيف يُترك أولاد الشهداء وأسرهم يواجهون الفقر والجوع بعد أن فقدوا حماة الأرض؟
وأين المطبلون الذين يزينون الفشل ويخدرون الوعي بالتصفيق؟ أين ضمائرهم وهم يشاهدون معاناة الجنود وأبناء الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم لتبقى راية الجنوب مرفوعة؟ لقد صار صوت المديح أداةً لتكميم الأفواه، بينما الوفاء أصبح تهمة تُعاقب.
الصبر الذي تحلى به الجنود لم يعد صبرًا، بل وجعًا يغلي في الصدور. واليوم، أيها القادة، تصل إليكم مناشدة حارقة وتحذير صارم في فقرة واحدة: أعيدوا الحقوق لأبطال الجنوب قبل أن ينهار صبرهم وتثور الضمائر، واحفظوا كرامة الجنود وأطفالهم، واحترام أولاد وذوي الشهداء الذين ضحّوا بحياتهم. الجندي الذي حرّر الأرض لا يطلب المستحيل، بل حقه الطبيعي في راتب يكفي أسرته، وكرامة تليق بتضحياته، كما أن حق الأطفال والأسر المكلومة في الحياة الكريمة لا يُسقط بالزمن أو التذرع بالظروف. استمرار التجاهل والإهمال لن يمر بلا ثمن، والجنوب لن يغفر من خذل من صنع المجد بدمائه. اعرفوا قيمة هؤلاء الأبطال، أعدوا لهم حقوقهم، وأوقفوا السكوت قبل أن يصبح جريمة بحق التاريخ، الأرض، والشعب، قبل أن يكتب التاريخ عليكم صفحات الخزي والعار.