المجاهرة بتعاطي "القات" وأثرها السيئ على المجتمع الحضرمي ..!؟
الجمعة - 31 أكتوبر 2025 - 09:27 م
كتب | حسن البهيشي
نهدف من خلال هذا المقال البسيط أن نصل إلى حقيقة ذات أهمية بالغة تبرز لنا تعاطي القات - هل هو معصية تستوجب الحذر والخشية والخوف من الله ؟، وهل تعاطيه في الساحات العامة ، وأمام المارة ، وتحسين صورته ، وإعطائه صبغة المشروعية - هو أيضا معصية أخرى مستقلة تدخل في حديث النبي عليه الصلاة والسلام - الذي في الصحيحين "كل أمتي معافى إلا المجاهرين ؟
وهل هذه المجاهرة هي السبب الرئيسي في سرعة انتشاره وزيادة حجم الإقبال عليه؟، أم أن تعاطي القات يندرج ضمن المباحات التي لايؤثم صاحبها ولايؤجر ، وبالتالي المجاهرة هنا تعد مجاهرة بالمباح ؟ .
ولن ندخل في جدل فقهي يطول بنا فيه المقام .. وتتشعب فيه طرق ودروب النقاش - ولن نخوض في ملابسات و أضرار القات الصحية وآثاره السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع - والتي هي ماثلة للعيان - وإنما يكفينا أن نقف عند حديث واحد فقط من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام - نتأمله جيدا ليكون مقياسا لايخطيء ، و معيارا لا يخيب ، وميزانا لا يتأرجح - ليس لقضيتنا هذه التي نحن بصددها فقط ، ولكن لكل مسلم رابه ريب في خطوة من خطواته ، أو فعل من أفعاله - ونورد من حديث النبي عليه الصلاة والسلام هنا الشق الذي يتعلق بموضوعنا - وهو في صحيح مسلم : "وَالإِثْمُ ما حَاكَ في نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاس" .
ومع أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام هذا كافيا لأن يزيح عن العقول والأبصار حواجز الزيف وغشاوة الخداع التي يمعن الشيطان في إحكامها ، إلا أننا سنضيف إلى ذلك سؤالا من باب إثراء النقاش فقط ، وإلا ليس بعد حديث النبي عليه الصلاة والسلام أي جدل .
والسؤال هو : هل يرضى المتعاطي للقات أن ينزلق أبناؤه إلى التعاطي مثله ؟، وحين يأتي الجواب في غاية الصدق والأمانة مع النفس ومع الضمير ، وحينما لا يرضى ولايقبل المتعاطي للقات أن تنتقل التجربة إلى جيل الأبناء ، فإننا نكون بذلك وضعنا يدنا على الجرح ، وطرقنا الوتر الحساس ، ولامسنا العصب الموصل الذي يقودنا إلى الحقيقة التي نهدف إلى الوصول إليها .
إن أبشع صورة عرفها المجتمع الحضرمي - الذي لم يكن تعاطي القات يوما جزءا من تاريخه أو ثقافته أو تقاليده - أنه عاش حقيقة مؤلمة جدا ، لاتخطر له على بال - حقيقة كيف تصنع هذه النبتة بالشخص المتعاطي لها وكيف تحوله إلى إنسان أناني الطباع .. إلى درجة أن يجعل من نفسه محور اهتمام على حساب الأبناء والزوجة وكافة الأسرة ، وهي أقبح صور "حب الذات" التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا - إذ أن الفطرة السليمة التي فطر الله عليها الناس جميعا - هي أن أب الأسرة هو من يقدم كل مافي وسعه من تضحيات جسيمة ، ويبذل كل طاقته وجهده لأجل سعادة الأبناء والأسرة غير أن تعاطي هذه النبتة يقلب الفطرة رأسا على عقب - بكل أسف - ويكشف لنا حجم الضرر الذي تحدثه هذه الآفة التي اجتاحت مجتمعنا على حين غفلة .
فأي ذنب بعد هذا الذنب ؟ وأي ضرر بعد هذا الضرر ؟
إنه إن لم يكن لتعاطي القات من ذنب غير هذا الذنب وحده لكفى به من ذنب ، فكيف والأضرار والمآسي التي يخلفها تحيط به من كل جانب .
كما أن كل المؤشرات والدلائل تؤكد وتثبت أن السبب الرئيسي في سرعة تفشي ظاهرة تعاطي القات ، والإقبال المهول على هذه النبتة ، وانتشارها الواسع بين أبناء المجتمع الحضرمي - تحديدا - كل ذلك ناجم عن المجاهرة بتعاطيه ، وجعله جزء من المزاج العام ، والتعامل معه كأمر واقع - ومن خلال تعاطيه أمام المارة ، وفي الأماكن والساحات العامة ، وتكرار الحديث عنه في المجالس ، ومنصات التواصل دون أي شعور بالذنب و بالتحرج والخجل - وأصحاب هذا السلوك تقع على عاتقهم المسؤولية الكبرى أمام الله ، وأمام مجتمعاتهم ، كونهم جعلوا من أنفسهم دعاة مخلصين للترويج لهذه النبتة دون إدراك ووعي منهم ، وبالتالي هذا السلوك هو الذي قاد الجيل الناشئ إلى الاغترار والاندفاع نحو التقليد والمحاكاة ، وأوجد لديهم رغبة جامحة لخوض التجربة ظنا منهم أنها أحد محددات عالم الرجولة - هكذا تقول بعض الأبحاث على الأقل - كما أن حالة رفض المجتمع لهذه النبتة ونظرتهم الساخطة إلى متعاطيها لم تعد كسابق عهدها حينما عرفت حضرموت القات في مطلع التسعينات فقد كان المجتمع آنذاك ينظر إلى تعاطي القات نظرة سخط واستهجان ، ولم يكن يجرؤ المتعاطون على تعاطيه إلا في الأماكن المغلقة أو بعيدا عن أعين الناس .
إن هذا النوع من تبلد الحس ، وحالة الاستسلام ، وفتور عزيمة المجتمع ، في رفض ومقاومة هذه الآفة - ساهم أيضا في اتساع وانتشار ظاهرة التعاطي ، وأضحت حضرموت اليوم مرتعا خصبا وسوقا رائجة ، تدر أمولا طائلة تقدر بمليارات الريالات على أصحاب رؤوس هذه الأموال ، وتجار هذه النبتة في مناطق ومحافظات الشمال ، بل وأصبحت أسواق حضرموت مكبا لنفاياتهم إذ يغرقون أسواقها بأردى وأسوأ أنواع القات ، وبأثمان باهظة ، وأصبحنا نثري تجار وهوامير هذه النبتة ثراء فاحشا ، ونزيدهم غنى وثروة إلى ثروتهم . وفي المقابل لم يجن المجتمع الحضرمي من ذلك غير تدمير مستقبل أبنائه وأجياله وبلده ، ثم بعد ذلك ينشد ويحلم بالتنمية و التقدم والنهوض والبناء لمحافظته .
وأي تقدم ؟! وأي تنمية ؟! وأي إنتاج ننتظر في ظل هذا الركض المستمر واللهث والتهالك واستنزاف المليارات من قبل الشريحة الأهم في المجتمع خلف نبتة تخرج متعاطيها عن الخدمة لساعات طوال تهدر معها الأوقات والصلوات والأموال، من هنا ندرك الحكمة البالغة من وراء تعاليم الإسلام في الزجر والوعيد والتغليظ من المجاهرة بالمعاصي التي لايستبعد أن يأتي تعاطي القات في مقدمتها .
كما ندرك حجم الكارثة التي حلت ببلدنا وبأبنائنا نتيجة تفشي هذه الظاهرة وسرعة انتشارها ، ولم يعد خافيا حجم الأنين والحزن والألم الذي حل بالكثير من البيوت والأسر بسبب هذه الآفة ، وإلى الله المشتكى .
إن كون القات أصبح مألوفا لدى المجتمع ، وبات يحظى بنوع من الزخم والتأييد ، وتشكلت حوله هالة من الاهتمام و الصخب لدى البعض فإن ذلك كله لايمنحه أي مشروعية ، ولايخلع عليه لباس الجواز والتحليل أبدا ، فإن العبرة ليست بكثرة المؤيدين أو بقلتهم ، ولا بأن الأمر بات مستساغا ومحل قبول وإنما العبرة في ذلك بحكم الإسلام ، وما رأي الدين والشرع , وحين يحكم الإسلام ليس للمسلم بعد ذلك أي خيار آخر . (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًا مُّبِينًا) . الأحزاب 36
ولم يتبق إلا أن نقول إن هم حفظ الأجيال القادمة ، ومحاولة حمايتها من سرطان هذه النبتة المدمر الذي يلتهم أبناءنا ومجتمعاتنا و ومقدراتنا جيلا بعد جيل يجب أن يشغل اهتمام وعقول كل المخلصين من أبناء هذه المحافظة - من علماء ودعاة وتربويين وسياسيين وإعلاميين وأساتذة ومفكرين ، ويجب أن يتشارك الجميع في وضع الحلول و المعالجات والخطط، والبحوث والدراسات ، وأن تعقد الندوات وترفع التصورات المستقبلية التي تهدف إلى حماية الأجيال القادمة ، وتوجيهها التوجيه السليم نحو النهوض والتقدم والبناء والتطور ، ونجاح ذلك الأمر ليس مستحيلا إذا تظافرت الجهود وخلصت النوايا ، فنظام ماقبل عام تسعين استطاع أن يفرض سيادته ويحد من تعاطي القات في كامل ربوع الوطن ، ويمنعه منعا كاملا عن حضرموت، فليس أمام أبناء حضرموت خيار آخر لحفظ أجيالهم إلا الأخذ بزمام المبادرة ، فإن السماء لاتمطر حلولا ومعالجات ، وإن إشعال شمعة وسط هذا الظلام الحالك خير من لعن الظلام .
وأخيرا هذه بعض الفتاوى التي صدرت عن علماء معتبرين وكذلك عن جهات إسلامية معتبرة أفتوا بتحريم تعاطي القات شرعا - أوردها الشيخ سالم عبدالله باقطيان خطيب جامع الشهداء بالمكلا سابقا حين أفتى هو الآخر بتحريم القات نورد بعضها فقط بإيجاز .
●أعلن المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات الذي انعقد بالمدينة النبوية في 27 - 30/ 5 /1402 هـ، تحت رعاية الجامعة الإسلامية: أن القات من المخدرات المحرمة شرعاً، لذلك يوصي الدول الإسلامية بالعقوبة الإسلامية الشرعية الرادعة على من يزرع أو يروج أو يتناول هذا النبات الخبيث .
هذا وقد أيد الفتوى عدد من العلماء الأفاضل في محافظة حضرموت يتقدمهم العلامة السيد علي بن محمد مديحي .
● كما قررت منظمة الصحة العالمية إدراج القات في سنة 1973م ضمن قائمة المواد المخدرة، بعد إجراء أبحاث عليه لمدة ستة سنوات .
وممن أفتى بتحريم القات من علماء المسلمين قديماً: الفقية العلامة/ أبو بكر إبراهيم المقري الحرازي الشافعي، وإمام الزيدية الإمام يحيى شرف الدين بن شمس الدين المتوفى سنة 965هـ، والفقيه إبراهيم العراقي والفقية أحمد بن أبراهيم المقرئ والفقية العلامة حمزة الناشري. ومن المعاصرين الشيخ محمد بن سالم البيحاني و الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ الدكتور مناع خليل القطان والشيخ عبدالمجيد الزنداني ، وغيرهم .