تحالف ثلاثي خفي.. واشنطن تقلب الخريطة لمحاصرة الصين
الجمعة - 21 نوفمبر 2025 - 01:44 ص
صوت العاصمة : (أ ب)
في رؤية غير تقليدية تُعيد رسم خرائط النفوذ في المحيطين الهندي والهادئ، طرح قائد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، الجنرال كزافييه تي. برونسون، تصورًا استراتيجيًا جديدًا ضد الصين يقوم على "تدوير الخريطة" لكشف فرص تحالفية غير مستغلة بين الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين.
ويقترح هذا النهج النظر إلى المنطقة مع توجيه الشرق نحو الأعلى، بدلًا من التمثيل التقليدي الذي يجعل الشمال في الأعلى، وهو تغيير بصري بسيط لكنه – وفق برونسون – يكشف إمكانات دفاعية جديدة تربط كوريا الجنوبية واليابان والفلبين ضمن ما يشبه مثلثًا استراتيجيًا لاحتواء الصين.
تأتي هذه الفكرة في سياق نقاش أوسع حول تحديث التحالفات الأمريكية وتعزيز قدرة الردع في منطقة تمثل المسرح الأكثر تنافسًا بين واشنطن وبكين، وسط تزايد النشاط العسكري الصيني وارتفاع وتيرة التوتر البحري، وفق مجلة "نيوزويك".
رؤية جيوسياسية من منظور مختلف
يشير برونسون، في مقال نُشر على موقع القوات الأمريكية في كوريا، إلى أن مجرد تغيير زاوية النظر يكشف شبكة طبيعية من الارتباطات الاستراتيجية بين كوريا الجنوبية واليابان والفلبين، تتجاوز حدود التحالفات الثنائية التقليدية التي تعتمد عليها واشنطن منذ عقود.
ويؤكد أن توجيه الخريطة شرقًا يبرز كوريا الجنوبية باعتبارها "محورًا استراتيجيًا" يقف في قلب "فقاعة" النفوذ الصيني المحتملة، بدل أن تكون "قوة بعيدة" عن خطوط المواجهة.
هذا المنظور الجديد، حسب رأيه، يتيح قراءة مختلفة للمدى الذي تستطيع من خلاله سيول التأثير على أنشطة الصين وروسيا، خصوصًا في البحر الأصفر الذي ما تزال حدوده البحرية غير مُعرّفة بين سول وبكين.
كما يسمح ذلك بإعادة تقييم دور اليابان بوصفها مركزًا للتكنولوجيا الدفاعية ونقطة تحكّم رئيسية في ممرات الشحن الحيوية، ودور الفلبين كنقطة ارتكاز جنوبية في خطوط الملاحة التي تربط المحيطين الهندي والهادئ.
تحديث التحالفات.. ما وراء كوريا الشمالية
تأتي دعوة برونسون في وقت تُجدد فيه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تحالفهما البالغ من العمر 72 عامًا، ليشمل تهديدات خارج شبه الجزيرة الكورية.
كما قال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث مؤخرًا إن واشنطن قد تنظر في استخدام قواتها المتمركزة في كوريا، والتي يبلغ عددها نحو 28,500 جندي، للمشاركة في عمليات طوارئ إقليمية، وليس فقط لردع كوريا الشمالية.
يعكس هذا التوسّع في مهام التحالف إدراكًا متناميًا بأن المواجهة مع الصين باتت تتطلب هندسة أمنية جديدة، تعتمد على تكامل مواقع القوات وشبكات الوعي الظرفي المشتركة بين الحلفاء، وليس فقط على الوجود العسكري الأمريكي المباشر.
وفي إطار "المثلث الاستراتيجي"، يشير برونسون إلى أن كوريا الجنوبية تمتلك "ميزة فرض التكاليف" على الصين وروسيا بفضل موقعها المركزي وعمقها الاستراتيجي، بينما توفر اليابان القدرات التكنولوجية ونقاط الاختناق البحرية، والفلبين المنافذ الجنوبية الحساسة.
بين النظرية والتنفيذ
رغم الطابع النظري للرؤية، إلا أنها تعكس نقاشًا حقيقيًا داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية حول كيفية التعامل مع صعود الصين في منطقة Indo-Pacific.
هندسة التحالفات
لكن السؤال الأهم يبقى: هل يمكن تنفيذ مثل هذا النموذج دون الإضرار بمهمة القوات الأمريكية الأساسية في كوريا، وهي ردع كوريا الشمالية؟ حتى الآن، لا توجد إجابات واضحة، خصوصًا أن تحويل مهام القوات أو توسيع نطاق عملها قد يخلق حساسيات سياسية داخل كوريا الجنوبية.
وإلى جانب ذلك، تظل بكين تراقب هذه الطروحات بحساسية عالية، إذ ترى في إعادة رسم التحالفات الأمريكية محاولة لتطويقها، بينما لم تُصدر وزارة الخارجية الصينية موقفًا رسميًا بشأن تصريحات برونسون حتى الآن.
يقدّم "التوجه شرقًا" منظورًا استراتيجيًا جديدًا في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية، ويثير تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على هندسة تحالفات متعددة المستويات دون إشعال توترات إضافية.
ورغم أن الفكرة تبدو حتى الآن أقرب إلى إطار فكري وتجريبي، إلا أنها تكشف عن لحظة تفكير جدي داخل واشنطن حول مستقبل الردع أمام الصين، وربما عن شكل الهندسة الأمنية الجديدة التي قد تُحدد ملامح ميزان القوى في العقود المقبلة.