نجح فريق بحثي دولي في فك شفرة واحدة من أقدم السجلات الفلكية البشرية المؤرخة، وهي رواية كسوف شمسي كلي وقع عام 709 قبل الميلاد دونها مراقبو السماء في بلاط دوقية "لو" الصينية القديمة.
ولطالما اعتبرت الرواية الصينية التي تصف الشمس أثناء ذلك الكسوف بأنها "ظهرت صفراء تماما من أعلى وأسفل" في إشارة محتملة إلى رصد الهالة الشمسية، وهو ما قد يجعلها أقدم وصف معروف لهذه الظاهرة الفلكية الباهرة.
لكن التحقق العلمي من هذه الرواية واجه عقبة جغرافية تاريخية: حيث كانت الإحداثيات المستخدمة سابقا لموقع العاصمة القديمة "تشوفو" تنحرف نحو ثمانية كيلومترات عن موقعها الحقيقي وفقا للأدلة الأثرية الحديثة.
وبعد تصحيح الموقع الجغرافي الدقيق، تمكن العلماء من إعادة بناء المشهد الفلكي بدقة مذهلة. وأظهرت حساباتهم أن اليوم في القرن الثامن قبل الميلاد كان أقصر بنحو خمس ساعات ونصف إلى ست ساعات مقارنة بيومنا الحالي، وهو فارق يعزى أساسا إلى تأثيرات المد والجزر القمرية التي تبطئ تدريجيا من سرعة دوران الأرض عبر العصور.
والأكثر إثارة هو أن تحليل مورفولوجيا الهالة الشمسية المحتملة، كما استنتجت من الوصف التاريخي، يشير إلى أن الشمس كانت تمر بمرحلة نشطة ضمن دورتها المغناطيسية المعتادة التي تستغرق 11 عاما. وهذا الاستنتاج يتوافق بشكل لافت مع بيانات مستقلة مستمدة من تحليل النظائر المشعة في حلقات الأشجار القديمة، والتي تشير بدورها إلى أن الشمس كانت تخرج آنذاك من فترة هدوء مطولة استمرت قرنا كاملا، عرفت في السجلات الفلكية باسم "الحد الأدنى الآشوري الكبير" (Neo-Assyrian)، وهي فترة تزامنت مع صعود وازدهار الإمبراطورية الآشورية الحديثة في الشرق الأوسط.
وبهذا الجمع المتقن بين علم الفلك الحديث والجغرافيا التاريخية ودراسة الوثائق القديمة، لا تؤكد الدراسة فقط قيمة السجلات الفلكية الصينية الاستثنائية التي حافظت عليها السلالات الإمبراطورية عبر قرون، بل تقدم أيضا دليلا جديدا على حوار العلم عبر الزمن، حيث تلتقي عيون المراقبين القدامى بتقنيات المحاكاة الحاسوبية المعاصرة لكشف أسرار مشتركة عن أرضنا وشمسنا.