أخبار محلية



هاني مسهور : ‏كما كان الاستقلال الأول .. حضرموت تقود الثاني

الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 12:48 ص

هاني مسهور  : ‏كما كان الاستقلال الأول .. حضرموت تقود الثاني

صوت العاصمة/ متابعات



في اللحظات التاريخية التي تُضطر فيها الجغرافيا إلى كشف معدنها الحقيقي، تظهر حضرموت كما عهدناها.

ليست ساحة للفوضى، ولا أرضًا لقبائل تُدار بالارتجال، بل رقعة وعي تأسّس عليها نصف تاريخ الحركة الوطنية الجنوبية، وما يجري اليوم في الوادي ليس خلافًا قبليًا ولا نزاعًا على منشأة نفطية، بل اختبار مباشر لفكرة الدولة نفسها في الجنوب، ولقدرة حضرموت على حماية إرثها السياسي الذي تشكّل قبل أن تُعرف المنطقة كلها بالدول الحديثة.

فالحدث الراهن، بكل ما يحمله من توتر قبلي وتمرد مسلح ضد الدولة، يعيد إلى الواجهة سؤالًا جوهريًا ظلّ مؤجلًا لسنوات: من يملك سلطة القرار في حضرموت؟ الدولة أم المجموعات الخارجة عنها؟.

إن اللواء فرج سالمين البحسني حينما أعلن أن ما جرى “تمرد قبلي” وأن التعامل معه يجب أن يكون “ضمن الإطار القانوني وبناء على أوامر القبض من النيابة العامة”، فإنه وضع النقطة الأولى في جملةٍ طويلة عنوانها "عودة الدولة من بوابة حضرموت، لا العكس".

ولأنك حين تكتب عن حضرموت لا تكتب عن محافظةٍ عابرة، بل عن ذاكرةٍ صنعت الحركة الوطنية الجنوبية في بداياتها، فمن الضروري التذكير بأن جذور الدولة الجنوبية المعاصرة لم تولد في عدن كما يظن الكثيرون، بل وُلدت في سيئون مطالع القرن العشرين، حين وضع المناضل عمر سالم باعباد أول مشروع دستوري لدولة وطنية في شبه الجزيرة العربية، قبل أن تنشأ السعودية الحديثة، وقبل أن تتشكل الحدود السياسية لليمن الشمالي.

باعباد لم يكتب وثيقة نظرية، بل كتب أول دستور حديث، حدد فيه معالم الدولة من باب المندب غربًا إلى ظفار شرقًا – أي المهرة اليوم – واضعًا تصوّرًا لمشروع وطني جامع قبل أن تتشكّل الكيانات العربية التي نعرفها اليوم.

ومن بعده جاء شيخان الحبشي ومحمد علي الجفري من رابطة أبناء الجنوب، فوضعوا الإطار السياسي الأوسع لهذه الفكرة.. جنوبٌ واحد، وهوية سياسية واحدة، ومشروع تحرر وطني يستند إلى الثقافة المحلية لا إلى المزايدات الأيديولوجية، كان ذلك قبل أن تتحوّل المنطقة إلى ساحات صراع بين القوميين واليساريين والإسلاميين، وقبل أن تتورط عدن في تناقضات التحرر العربي.

لكن التحول الأكبر جاء مع جيل “الرفاق”، وعلى رأسهم علي سالم البيض، أحد مؤسسي حركة القوميين العرب، ومع لحظة ما بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبوجود زخم ناصري كبير، استطاعت الجبهة القومية أن تُنجز الاستقلال الأول في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، مستخدمة دعم جمال عبد الناصر لتحقيق خطوة تاريخية مهمة، لكنها جاءت محمّلة بإرث الصراع الأيديولوجي لا بإرث المشروع الوطني الجنوبي الأول الذي بدأ في سيئون.

هذا التداخل ظلّ يلاحق الجنوب لعقود، مشروع حضرمي جنوبي أصيل بدأ على يد باعباد وتأسس على العقل والحدود السياسية والوحدة الاجتماعية، في مقابل مشروعٍ تحرري ثوري أخذ شرعيته من القاهرة، لكنه أضاف طبقة أيديولوجية ثقيلة على الجغرافيا.

واليوم، تعود حضرموت إلى الواجهة، ليس كمجرد رقم في معادلة الجنوب، بل كمُحدِّد رئيسي لملامح الجمهورية الجنوبية الثانية التي تتشكل في الوعي الشعبيّ قبل أن تتشكل في النصوص.

وما يجري في وادي حضرموت ليس حدثًا منفصلًا عن هذا التطور، بل هو حلقة من حلقات الصراع بين منطق الدولة ومنطق الفوضى، بين الحركة الوطنية الجنوبية في جذورها، وبين من يحاولون إعادة حضرموت إلى مربعات لا تشبهها.

فعندما يخرج عمرو بن حبريش على سلطة الدولة، ويحاول السيطرة على منشأة حيوية مثل بترومسيلة، ثم يتسبب هذا التمرد في قطع الكهرباء عن الساحل والوادي وتعطيل نقل الوقود إلى محافظات بأكملها، فإننا لا نقف أمام خلاف قبلي، بل أمام محاولة واضحة لفرض سلطة موازية، وخلق “دولة داخل الدولة”، وهو نموذج عاشته اليمن كثيرًا، ولا يمكن السماح بتمريره في حضرموت تحديدًا.

وهنا يبرز دور اللواء فرج البحسني، ليس باعتباره قائدًا عسكريًا أو عضوًا في مجلس القيادة فحسب، بل كرمز سياسي له تجربة أثبتت فاعليتها، فقد كان أحد مهندسي تحرير المكلا عام 2016، حين دُحرت القاعدة من حضرموت في عملية نُظر إليها عربيًا باعتبارها النموذج الأكثر انضباطًا في مكافحة الإرهاب بعد انهيار الجيوش التقليدية في اليمن .

والذي دحر القاعدة قادر – بإرادة الدولة ودعم الحضارم – على دحر أي تمرد آخر، سواء حمل اسم قبيلة، أو تنظيم، أو جماعة سياسية.

ومن منظور استراتيجي، لا يمكن فصل ما يجري اليوم عن السياق الأوسع في الجنوب، فهناك تمدد متواصل لقوى تحاول اختراق حضرموت عبر أدوات قبلية، وأخرى استخباراتية، وثالثة حزبية، وبعضها يرتبط مباشرة بجماعة الإخوان المسلمين التي تبحث عن موطئ قدم بعد سقوطها في شبوة وأبين وعدن، كما أن الحوثيين يراقبون المشهد بحثًا عن أي فراغ أمني يمكن استغلاله لإعادة تنشيط شبكاتهم النائمة في الوادي.

وهذا يرفع أهمية الموقف الشعبي الحضرمي، فحضرموت التي عرفت الاعتدال لقرون، والتي قامت على القانون الشافعي والرباط العلمي وعلى التجارة العابرة للمحيطات، ليست بيئة للفوضى، ولا أرضًا لقطاع الطرق، ولا ساحة لحروب المليشيات، ومهما حاول البعض إعادة تدوير خطاب “النخوة القبلية”، فإن حضرموت – في الحقيقة – ليست مجتمع قبيلة متحجر كما هو في بعض أجزاء شبه جزيرة العرب، بل مجتمع دولة، يملك ذاكرة مؤسساتية أقدم من أغلب دول المنطقة.

الحركة الوطنية الجنوبية الحديثة، لو قُدّر لها أن تكتب بيانها الفكري الجديد، فسيبدأ من حضرموت، من سيئون تحديدًا، حيث بدأت الفكرة قبل قرن، لا من عدن وحدها، والفصل الحالي من تاريخ الجنوب يُكتب الآن في الوادي، فإما أن تنتصر الدولة ويُدفن التمرد، وإما أن يُفتح الباب لفوضى لا يريدها أحد.

الحركة الوطنية الجنوبية ليست فعلاً محايدًا، ولن يكون كذلك، الحضرمي يعرف أن هذه الأرض لا تُدار بالصوت المرتفع، بل بالعقل الهادئ المتزن، ولا تُبنى بالتمردات، بل بالسلطة الرشيدة، ولذلك فإن الموقف الذي أعلنه اللواء البحسني هو الموقف الصحيح: القانون فوق الجميع، والتمرد مدان، وحضرموت لا يمكن أن تكون رهينة مجموعة تريد أن تحكم خارج منطق الدولة.

ولأن التاريخ لا يرحم، ولأن الأمم لا تُبنى بالرماد، فإن المستقبل لن يُكتب إلا عبر مشروع وطني جنوبي جديد يعيد وصل ما انقطع منذ باعباد، ويستعيد الدولة التي أنجزها البيض وبن حسينون وحيد العطاس، ويمنح حضرموت دورها الطبيعي كقلب سياسي وعقلي للجنوب.

وفي اللحظة التي تنتصر فيها حضرموت للدولة، تبدأ بالفعل الجمهورية الجنوبية الثانية.



الأكثر زيارة


‎عاجل وحصري : قوات العاصفة تتسلم قصر معاشيق بالكامل… ومغادرة.

السبت/06/ديسمبر/2025 - 03:00 م

اكد مصدر عسكري بان قوات العاصفة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي استكملت ظهر السبت عملية تسلّم كامل مهام الحماية داخل قصر معاشيق في العاصمة عدن، بعد ط


مصادر تكشف انسحاب شامل للقوات السعودية من اليمن.

السبت/06/ديسمبر/2025 - 04:40 م

أكدت مصادر عسكرية أن القوات السعودية قررت تنفيذ أكبر خطة لإعادة الانتشار العسكري منذ دخولها المعترك اليمني قبل أعوام، في خطوة توصف بأنها إعادة تموضع ش


عاجل : قوات سعودية تستعد لمغادرة عدن إلى الرياض ونقل بعض معد.

السبت/06/ديسمبر/2025 - 03:58 م

اكدت مصادر محلية ان قوات سعودية تستعد لمغادرة العاصمة عدن إلى الرياض ونقل بعض معداتها. وقال مصدر إن القوات السعودية الموجودة في معسكر قيادة قوات التحا


انشقاق كبير: قائد الشرطة العسكرية بالمنطقة الأولى يعلن ولاءه.

السبت/06/ديسمبر/2025 - 12:36 م

في تطور جديد يؤكد ما حذّر منه أبناء الجنوب العربي منذ سنوات بشأن الاختراق الحوثي داخل المنطقة العسكرية الأولى، وصل العقيد عبدالله الضاوي قائد الشرطة ا