سيدي الشعبَ الجنوبيَّ العظيم
الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 10:45 م
صوت العاصمة/خاص:
كتب : أ. د. فؤاد الشعيبي
سلامٌ عليكم يا صُنّاع التاريخ وبناة الأمجاد…
أيها الشعب الصابر ما أعظمك في صبرك، وما أروعك في عزيمتك، وما أنبلك في وفائك لأرضك!
يقف العالم اليوم باحترامٍ وذهولٍ بالغ أمام صلابة إرادتكم ورسوخ عزيمتكم، تلك الإرادة التي أثبتت – مرةً بعد أخرى – أن الشعوب الحيّة لا تُقهر، وأن القضايا العادلة مهما طال زمنها لا بد أن تنتصر.
إن ما تصنعونه اليوم هو صفحةٌ مضيئة في سجل التاريخ السياسي الحديث، وملحمةٌ واعية عنوانها الإيمان بالمستقبل والثقة بعدالة الخيار والمسار، وستظل هذه اللحظة علامةً فارقة في ذاكرة الأجيال، ودليلاً ساطعاً على نضجكم وارتفاع منسوب وعيكم السياسي وصبركم الأسطوري.
تحيةً لكم ولقيادتكم الذكية التي تقرأ المشهد بدقة، وتفهم تعقيدات الداخل، وتُحسن التعامل مع معادلات الإقليم والعالم، وتمضي بكم بخطواتٍ مسؤولة وآمنة نحو أهدافٍ واضحة المعالم، في مسارٍ يوازن بين متطلبات إعلان وبناء الدولة والظروف الإقليمية والدولية ذات الصلة.
إن ما يتمتع به الجنوب اليوم من وعيٍ واحترامٍ عربي ودولي لم يأتِ من فراغ، بل كان ثمرة مناخٍ سياسي ناضج، وعلاقةٍ واعية ومتوازنة بين قيادتكم والمشروع العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
إنها شراكة استراتيجية قائمة على الوضوح والاحترام المتبادل وتلاقي المصالح منحت القضية الجنوبية وزنها الحقيقي، ورسّخت حضورها في المحافل الإقليمية والدولية، وحمت خيارها من محاولات التشويه والعزل، مهما سعى المغرضون لتعكير صفو هذه العلاقة بأساليب مكشوفة وهزيلة ومبتذلة اشتد استعارها هذه الايام بعد فرض القوات المسلحة الجنوبية السيطرة على كامل التراب الجنوبي.
لقد أدركت قيادتكم أن القضايا العادلة لا تنتصر بالعزلة ولا بالاندفاع العاطفي، بل بالنَّفَس الطويل، والشراكات الذكية، والانخراط المسؤول في مشروعٍ عربي يحمي الاستقرار، ويواجه الفوضى، ويصون هوية المنطقة ومن هنا جاء التقدير العربي والدولي لموقف الجنوب بوصفه عامل توازن، لا عنصر اضطراب، وشريكاً في حماية الأمن الإقليمي، لا عبئاً عليه.
إن تلاحمكم واصطفافكم الواعي خلف قيادتكم يمثل الخيار الوطني الأكثر رشداً في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة؛ فهو جوهر القوة الحقيقية، والقاعدة الصلبة التي يُبنى عليها المستقبل، مستقبلٌ تُحترم فيه كرامة الإنسان، وتُستعاد فيه الدولة، ويُفتح فيه الأفق أمام أجيالٍ أنهكتها عقود من المعاناة والتهميش.
لقد فقدت قوى العبث والشر قدرتها على التأثير، وما تبقّى منها ليس سوى رقصة الثور المذبوح وضجيجٍ إعلاميٍ يعكس الارتباك وفقدان البوصلة.
ومع كل تقدم يتحقق يتعزز اليقين لدى العالم تجاهكم بأن منطق الدولة أقوى من منطق الفوضى والإشاعات المغرضة، ومنطق السلام أقوى من منطق العنف والعبث .
وحِّدوا الصفوف، ووسِّعوا دوائر الثقة، وامنحوا الوطن فرصة الاستفادة من كل طاقةٍ صادقة تعود إلى جادة الصواب؛ فالدولة القوية تُبنى بالاحتواء المسؤول، وبالشراكة الوطنية التي تجعل القانون والمصلحة العامة فوق كل اعتبار أياً كان الماضي الذي يجب أن نتخطاه جميعاً وننظر نحو المستقبل المشرق.
همسة أخيرة أوجهها إلى أهلنا في الشمال:
نحن أبناء معاناةٍ واحدة، وعدونا واحد، وأزمتنا في جوهرها واحدة وما أصاب الجنوب امتد أثره إلى الشمال وإننا نؤمن أن تحصين الجنوب، وبناء دولته، واستقراره في محيطه العربي، خطوةٌ أولى وأساسية لانعتاق الشمال من منظومة هذه الفوضى التي أنهكت الجميع دون استثناء .
سيدي شعب الجنوب العظيم، فلتظل إرادتكم شعلةً لا تنطفئ، وجبلاً شامخاً يعلو فوق كل عاصفة، ونهراً جارٍ يسكب الحرية في قلب التاريخ، وطريقاً يشع بالنصر المؤزر بإذن الله.