ليس من الشرع تسليم الـ.ـقاتل لأهل المقـ.ـتول
الخميس - 18 ديسمبر 2025 - 12:15 ص
صوت العاصمة / مقال لـ : محمد عبدالله المارم القميشي
في كل مرة تقع فيها جريمة قتل يعود إلى الواجهة جدلٌ قديمٌ متجدِّد ونقاش متواصل مفاده أن تسليم القاتل إلى أهل المقتول ليقتلوه بأنفسهم يُعدّ تطبيقاً للقصاص كما جاء به الشرع. وما شاهدناه مؤخراً في مديرية حبان من طريقة التنفيذ كان صورةً مؤلمة عكست فهمًا خاطئاً للقصاص وكشفت خطورة تحويل الحكم الشرعي إلى ممارسة عرفية خارج نطاق القضاء وضوابط الشريعة.
هذا الفهم وإن شاع في بعض البيئات القبلية لا يستند إلى أصلٍ شرعيٍّ صحيح، بل يتعارض صراحةً مع أحكام الإسلام ومقاصده الكبرى وفي مقدمتها حفظ الدماء وتحقيق العدل.
فالإسلام شرع القصاص نعم لكنه شرعه منضبطاً بالقضاء والعدل لا بالغضب ولا بالأعراف ولا بردود الأفعال.
(القصاص في ميزان الشرع)
القصاص حكمٌ ثابتٌ في الإسلام بنص القرآن الكريم قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}.
وقد جعل الشرع الحقَّ لأولياء الدم وشرع لهم ثلاثة خيارات واضحة لا رابع لها:
1. القصاص2. الدية
3. العفو.
وهذا التخيير بحدّ ذاته دليلٌ قاطع على أن الشريعة لا تتعامل مع الدم بمنطق الانتقام وإنما بمنطق العدل الممزوج بالرحمة وضبط الغضب ومنع استباحة الأرواح.
(من يملك حق تنفيذ القصاص؟)
الخلط الأخطر والإشكال الحقيقي يقع عند مسألة تنفيذ القصاص؛
فالقصاص لا يُنفَّذ بيد أولياء الدم ولا تتولاه القبيلة أو الأفراد وإنما يثبت بحكم قاضٍ شرعيٍّ مختص ويُنفَّذ عبر وليّ الأمر أو من ينيبه.
وقد استقرّ عند أهل العلم أن إقامة الحدود والقصاص من اختصاص السلطان لما في ذلك من حماية المجتمع من الفوضى ومنع تحويل الأحكام الشرعية إلى وسائل ثأر وانتقام.
فالدماء لا تُفصَل فيها العاطفة ولا يُحسَم أمرها بالغضب وإنما تُنظَر فيها المحاكم بعد تحقيقٍ وتثبُّت واستكمالٍ لشروط العدالة.
وعليه فإن ما يجري أحياناً من تسليم القاتل إلى أهل المقتول ليقوموا بقتله مباشرةً هو ممارسة مخالفة للشرع من وجوهٍ متعددة إذ إنها
1. تمثّل انتهاكاً صريحاً لحق القضاء
2. تفتح باب الثأر وتسلسل الدم بلا نهاية.
3. قد تؤدي إلى قتل شخصٍ دون تحققٍ كامل أو مع وجود شبهة
4. تُهدر حقوق بعض أولياء الدم ممن قد يختارون العفو أو الدية..
والشريعة لا تُبيح إراقة الدم إلا بعد استكمال كل شروط الضبط والعدل لا بمجرد الغضب أو ضغط العرف.
(غياب الدولة لا يغيّر الحكم)
غياب الدولة أو ضعفها لا يغيِّر الحكم الشرعي ولا يبيح ما حرَّمه الله؛ فحتى في حال غياب السلطة:
1. لا يُباح القتل دون حكم قضائي مستوفٍ للشروط.
2. أقصى ما يجوز هو حبس الجاني أو تسليمه لجهة قضائية معتبرة أو السعي للصلح والدية.
أما القتل المباشر باسم ((القصاص)) دون حكمٍ قضائي فليس قصاصاً بل قتلٌ خارج إطار الشرع مهما حسنت النوايا أو اشتدّ الألم.
الخلاصة:
القصاص من شرع الله لكن تنفيذه ليس بيد الأفراد ولا الأعراف القبلية.
وتسليم القاتل لأهل المقتول ليقتلوه ليس تطبيقاً للشرع بل خروجٌ عليه.
فالشرع يريد عدلاً منضبطاً لاثأراً منفلتاً ويريد حفظ الدماء لا فتح أبواب الفوضى باسم الدين..