كنا نسمع لسنوات الإعلام الشرعي والإخواني يردد أن الجنوب يستحيل عليه استعادة دولته لأنه لا يملك ممثلًا حقيقيًا، وكانوا في كل مرحلة يفرّخون لنا مكوّنات وهمية داخل الجنوب بحجة أن الساحة الجنوبية منقسمة. لم نكن ندرك حينها أن هذه الحجة لم تكن موجهة ضد الجنوب بقدر ما كانت غطاءً لفشلهم هم في الشمال، لأن معضلتهم الحقيقية كانت ولا تزال صنعاء، حيث لا يوجد تيار قوي أو ممثل واضح يمكنه إدارة العاصمة بعد سقوط الحوثي.
لم تتحرر صنعاء لأن ما يُسمّى بالشرعية الشمالية التي يسيطر عليها جماعة الاخوان المسلمين لا تملك مشروعًا وطنيًا ولا تصورًا لما بعد الحوثي، وتخشى لحظة الحسم لأنها ستكشف صراعاتها الداخلية وتفتح ملفات الفشل والمحاسبة، ولهذا جرى تعطيل المعركة وتحويلها إلى صراع مُدار يخدم المصالح ويؤجل الحقيقة.
والمكوّنات الموجودة داخل ما يُسمّى بالشرعية، والمتمثلة برشاد العليمي، ليست سوى بقايا نظام عفاش، وهي قوى غير مؤهلة سياسيًا ولا شعبيًا لاستلام صنعاء أو إدارة مرحلة ما بعد الحوثي. أما طارق وأحمد علي فهما جوهر مشروع عفاش ذاته، ومحاولة مكشوفة لإعادة الأسرة إلى سدة الحكم، وكأن اليمن لم يمر بثورة ولا بحرب، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. وحزب الإصلاح الإخواني مرفوض شعبيًا في الشمال، ولا يمتلك حاضنة حقيقية، بينما لا تتجاوز قوة العرادة ثلاث مديريات في مأرب، مع وجود علاقات له في صعدة باتت معروفة للعلن. ولا يمكن إغفال أن جميع هذه التيارات تحتفظ بعلاقاتها الخاصة مع الحوثي من تحت الطاولة، فما زالت شركاتهم ومصالحهم وثرواتهم في صنعاء، تُدار وتُحمى بعيدًا عن شعارات الحرب. ولهذا يتفق الجميع على استهداف الجنوب، ولا يعنيهم من يحرر صنعاء أو متى، طالما أن حنفية التحالف ما تزال مفتوحة إلى أفواههم
اليوم، وبعد أن أصبحت القوات الجنوبية مسيطرة على كامل أراضي دولة الجنوب العربي، وبعد أن دخلت حضرموت وشبوة وطهّرت كل الأرض الجنوبية، وقدّمت نموذجًا في تحرير الأرض وفرض الأمن وإدارة المناطق دون فوضى، بدأت مخاوف هذه القوى تظهر بوضوح. هذا الواقع أربك الشرعية الشمالية، والإخوان، وحتى الحوثي، لأن الجنوب لم يعد ساحة رخوة ولا ورقة قابلة للاستخدام، بل أصبح كيانًا منظمًا يملك قوة وتمثيلًا.
وفي هذا السياق، نلاحظ بوضوح أن شرعية الإخوان، بعد أن عجزت عن تحرير صنعاء الأسيرة بيد الحوثي، نسيت العاصمة تمامًا، ووجّهت إعلامها وسهام هجومها نحو الجنوب، مركزة على استهدافه سياسيًا وإعلاميًا وأمنيًا، وكأن معركتها لم تعد مع الحوثي بل مع الجنوب نفسه.
ولهذا نرى اليوم إعلام الشرعية، والإعلام الحوثي، والإعلام الإخواني يلتقون عند مهاجمة المجلس الانتقالي الجنوبي، لا صدفة ولا اختلافًا تكتيكيًا، بل لأن استقرار الجنوب ونموذجه السياسي والعسكري يفضح فشلهم، ويهدد مصالحهم، ويكشف أن معركة صنعاء لم تتعطل بسبب قوة الحوثي، بل بسبب غياب المشروع والقيادة في الشمال