إعلان دولة الجنوب … استحقاق تاريخي ومسار استقرار إقليمي
الأحد - 28 ديسمبر 2025 - 07:27 م
صوت العاصمة/خاص:
في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تعود قضية الجنوب إلى واجهة المشهد السياسي بوصفها إحدى القضايا المؤجلة التي لم تُحسم منذ عقود، رغم ما رافقها من تضحيات بشرية ومسارات سياسية معقدة. ومع تصاعد المطالب الشعبية والسياسية بإعلان دولة الجنوب، تتبلور ملامح مرحلة جديدة ترى فيها قطاعات واسعة من الجنوبيين أن لحظة الحسم قد حانت.
إرادة شعبية تتجدد
مراقبون يرون أن الدعوة المتزايدة لإعلان دولة الجنوب لم تعد تعبيرًا عن حراك شعبي فقط، بل أصبحت انعكاسًا لإرادة جماعية تتقاطع فيها الشوارع مع المؤسسات. فخلال الفترة الأخيرة، شهدت محافظات جنوبية حشودًا شعبية واسعة، رافقتها بيانات تأييد صريحة من مسؤولين ومؤسسات محلية، في مؤشر على اصطفاف داخلي يتجاوز الطابع الاحتجاجي إلى مستوى القرار السياسي.
ويرى محللون أن هذا الاصطفاف يمنح القضية الجنوبية زخمًا جديدًا، ويعكس حالة نضج سياسي مختلفة عن مراحل سابقة، حيث باتت المطالب أكثر وضوحًا، والرسائل الموجهة إلى الداخل والخارج أكثر تنظيمًا.
من وحدة فاشلة إلى حق تقرير المصير
تستند المطالب الجنوبية، وفق قراءات قانونية، إلى سردية سياسية ترى أن مشروع الوحدة الذي أُعلن عام 1990 فقد مضمونه الفعلي عقب حرب 1994، وما تلاها من انهيار للتوافق السياسي وتفكك للعقد الذي قام عليه الكيان الموحد. ويشير خبراء في القانون الدولي إلى أن حق تقرير المصير، حين تتوفر شروطه السياسية والواقعية، يُعد مبدأً معترفًا به دوليًا، وليس دعوة للتقسيم بقدر ما هو محاولة لتصحيح مسار تاريخي مختل.
دور أمني يتجاوز الجغرافيا
خلال السنوات الماضية، لعب الجنوب دورًا محوريًا في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها القاعدة، إضافة إلى التصدي للحوثيين وتأمين السواحل والممرات الدولية في خليج عدن وباب المندب. ويؤكد مراقبون إقليميون أن هذا الدور لم يكن محليًا فحسب، بل شكّل عنصرًا أساسيًا في منظومة الأمن الإقليمي والدولي.
ويذهب محللون إلى أن القوى التي واجهت الإرهاب ميدانيًا، وحافظت على استقرار مناطق واسعة، لا يمكن التعامل معها كحالة أمنية مؤقتة، بل كفاعل سياسي يستحق إطارًا سياديًا يحمي تضحياته ويضمن استدامة الاستقرار.
الدولة كضمانة للاستقرار لا تهديد له
في مقابل المخاوف التي تُثار أحيانًا حول إعلان دولة الجنوب، يرى خبراء أن قيام دولة جنوبية مستقرة قد يشكّل عامل توازن إقليمي، وسدًا أمام عودة الجماعات المتطرفة وشبكات التهريب، لا سيما في ظل الفراغات الأمنية التي طالما استُغلت لإنتاج الفوضى.
ويؤكد محللون أن الدولة، حين تقوم على مؤسسات فاعلة وإدارة منتظمة وحماية للمدنيين، تمثل مسار استقرار لا مشروع صراع، وأن الاعتراف بالوقائع على الأرض يظل أقل كلفة من إدارة أزمات مؤجلة.
بين التضحيات والاستحقاق
بعد عقود من النضال، وآلاف الضحايا، يرى الجنوبيون أن إعلان دولتهم لم يعد مطلبًا عاطفيًا أو شعارًا سياسيًا، بل استحقاقًا طبيعيًا لمسار طويل من المواجهة مع الإرهاب والفوضى، ودور واضح في حماية الأمن الإقليمي.
ويجمع مراقبون على أن تجاهل هذه المطالب، أو التعامل معها بمنطق القوة، لن يؤدي إلا إلى تعقيد المشهد، في حين أن مقاربة واقعية تعترف بإرادة الشعوب قد تفتح الباب أمام مرحلة أكثر استقرارًا للجنوب والمنطقة بأسرها.