تقارير



مليونية المهرة ترسم ملامح الدولة القادمة..

الأربعاء - 31 ديسمبر 2025 - 12:12 ص

مليونية المهرة ترسم ملامح الدولة القادمة..

صوت العاصمة/ تقرير/ محمد الزبيري



في لحظة مفصلية من تاريخ الجنوب العربي، خرجت محافظة المهرة عن بكرة أبيها، لا لتسجّل موقفًا عابرًا أو احتجاجًا تقليديًا، بل لتعلن بوضوح لا يقبل التأويل أن الجنوب قرر مصيره، وأن إرادة الشعوب أقوى من كل مشاريع الوصاية والهيمنة.
مليونية الغيضة لم تكن مجرد حشد جماهيري، بل كانت استفتاءً شعبيًا مفتوحًا على الأرض، أكدت فيه المهرة – بتاريخها وسلاطينها وقبائلها ونسائها وشبابها – انتماءها الجنوبي الأصيل، وتمسكها بحقها غير القابل للمساومة في الحرية والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.

تدفقت الجماهير من مختلف مديريات المهرة، رافعة أعلام دولة الجنوب العربي، مرددة هتافات السيادة، ومجسدة لوحة وطنية جامعة امتزجت فيها الأهازيج والرقصات الشعبية المهرية مع الشعارات السياسية، في رسالة عميقة الدلالة بأن الهوية الجنوبية ليست طارئة ولا مفروضة، بل متجذرة في الوجدان الجمعي لأبناء هذه الأرض.
جاءت هذه المليونية في توقيت بالغ الحساسية، في ظل أحداث متسارعة شهدها الجنوب، أبرزها القصف الذي طال ميناء المكلا المدني، والتنكر السعودي الفج لشركائه في الجنوب، ومحاولات فرض واقع سياسي وأمني يتناقض كليًا مع تضحيات الجنوبيين ومعادلة الشراكة التي طالما رُوّج لها زورًا.


*المهرة تقول كلمتها



حملت مليونية الغيضة رسالة مركزية مفادها أن المهرة جزء لا يتجزأ من الجنوب العربي، وأن محاولات سلخها عن محيطها الوطني أو تحويلها إلى ساحة نفوذ إقليمي بواجهات محلية مصطنعة قد فشلت أمام وعي المجتمع المهرّي.
أثبتت الحشود المليونية أن المهرة ليست هامشًا جغرافيًا أو فراغًا سياسيًا، بل ركيزة أساسية في مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وأن أبناءها يدركون تمامًا أن الأمن والاستقرار والكرامة لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار دولة جنوبية مستقلة ذات قرار وطني حر.

اللافت في هذه المليونية أنها كسرت كل الصور النمطية التي حاولت أطراف معادية ترسيخها عن المهرة، باعتبارها محافظة “محايدة” أو “خارج الصراع”، لتؤكد أن الحياد في معركة الوجود الوطني وهم، وأن المهرة اختارت موقعها بوضوح إلى جانب شعب الجنوب وقضيته العادلة.
لقد كان المشهد المليوني بمثابة رد عملي على كل الحملات الإعلامية والسياسية التي سعت لتشويه الوعي الجمعي أو التشكيك في الانتماء الجنوبي للمحافظة.


*وحدة الصف وتكامل المشروع



عكست مشاركة القيادات الجنوبية السياسية والرسمية في المليونية مستوى الانسجام بين القاعدة الشعبية والقيادة، حيث تقدم الحضور السلطان عبدالله بن عيسى بن عفرار، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل رمزًا تاريخيًا وسياسيًا للمهرة، إلى جانب الدكتور سالم بن علي القميري، عضو هيئة الرئاسة، والأستاذ عبدالرحيم الصادق، رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي بالمحافظة، إضافة إلى وكلاء المحافظة وعدد من القيادات العسكرية والأمنية والشخصيات الاجتماعية.

في كلمته، نقل السلطان بن عفرار تحيات الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، مشددًا على أن إرادة أبناء المهرة تمثل ركيزة أساسية في معركة استعادة الدولة، ومؤكدًا أن تحرير وادي حضرموت والمهرة يشكل خطوة استراتيجية في طريق بناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المنشودة. هذا الخطاب لم يكن مجاملة سياسية، بل قراءة واقعية لمعادلة القوة على الأرض، حيث بات واضحًا أن الجنوب يمضي بخطى ثابتة نحو استكمال سيادته، مستندًا إلى التفويض الشعبي الواسع.


*القوات الحكومية الجنوبية



من أبرز مخرجات مليونية المهرة تجديد الدعم الكامل للقوات الحكومية الجنوبية، باعتبارها الضامن الحقيقي لأمن الجنوب واستقراره، والحصن المنيع في وجه مشاريع الفوضى والإرهاب والاختراقات الإقليمية.


عبّرت الهتافات واللافتات بوضوح عن ثقة الشارع الجنوبي بهذه القوات، وعن قناعة راسخة بأنها وُجدت لحماية الأرض والإنسان والثروة، وليس لخدمة أجندات خارجية.

وأكدت الكلمات التي ألقيت في الفعالية، وعلى رأسها كلمة الأستاذ عبدالرحيم الصادق، أن تأسيس قوة النخبة المهرية يمثل خطوة نوعية في سياق بناء المنظومة الأمنية الجنوبية، ويعكس إرادة أبناء المهرة في تولي مسؤولية حماية محافظتهم بأيديهم، بعيدًا عن الوصاية أو الفرض الخارجي.

كما شدد الصادق على أن المجلس الانتقالي الجنوبي ماضٍ في دعم قيادته السياسية حتى تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إعلان دولة الجنوب العربي كاملة السيادة.


*قصف ميناء المكلا


لم تغب أحداث اليوم في الجنوب عن خطاب المليونية، وفي مقدمتها القصف الذي استهدف ميناء المكلا المدني، والذي شكّل صدمة للرأي العام الجنوبي، ليس فقط لكونه اعتداءً على منشأة خدمية حيوية، بل لأنه كشف زيف ادعاءات “السعودية” بحماية المدنيين ودعم الاستقرار.

لقد اعتبر المشاركون في المليونية هذا القصف جريمة مكتملة الأركان، وانتهاكًا صارخًا للسيادة، ورسالة عدائية مباشرة تستهدف إرادة الجنوب ومقدراته الاقتصادية.

إن استهداف ميناء المكلا لا يمكن فصله عن سياق أوسع من السياسات السعودية التي باتت تتعامل مع الجنوب كمنطقة نفوذ، لا كشريك، وتسعى لإعادة إنتاج أدوات الهيمنة القديمة بوسائل جديدة.

وعبّرت الجماهير عن غضبها من هذا السلوك، معتبرة أنه يمثل تنكرًا فاضحًا لتضحيات الجنوبيين الذين كانوا في مقدمة الصفوف في مواجهة الانقلاب الحوثي والإرهاب.


*السعودية والإمارات


في مقابل الإدانة الواسعة للمواقف السعودية، حرصت مليونية المهرة على التأكيد أن شعب الجنوب لا ينسى مواقف دولة الإمارات العربية المتحدة، التي وقفت إلى جانبه في أصعب المراحل، وقدمت تضحيات جسيمة في معركة مكافحة الإرهاب ودعم الأمن والاستقرار.
هذا التمييز في الخطاب لم يكن بدافع المجاملة، بل استنادًا إلى تجربة واقعية عاشها الجنوبيون، ولامسوا فيها الفرق بين شراكة حقيقية ومشروع هيمنة.
لقد عبّرت الجماهير بوضوح عن رفضها لأي محاولات لإخراج الإمارات من معادلة الجنوب تحت ذرائع سياسية، معتبرة أن استهداف الدور الإماراتي إنما يندرج ضمن مساعٍ لإفراغ الجنوب من حلفائه الحقيقيين، وتركه فريسة لمشاريع لا تؤمن بحقه في تقرير المصير.

في الوقت ذاته، أكدت المليونية أن علاقات الجنوب الخارجية يجب أن تُبنى على أساس الندية والاحترام المتبادل، لا على منطق الإملاء والوصاية.


*الشرعية المنتهية الصلاحية


أحد أبرز محاور الخطاب في مليونية المهرة كان الإعلان الصريح عن انتهاء ما يُسمى بـ”الشرعية”، التي فقدت أي رصيد شعبي أو أخلاقي، وتحولت إلى عبء على القضية الجنوبية، وأداة لتبرير التدخلات الخارجية.
رأت الجماهير أن هذه الشرعية لم تعد تمثل إلا نفسها، وأن بياناتها المتناقضة، وخلافاتها الداخلية، ومواقفها المتماهية مع السياسات المعادية للجنوب، تؤكد أنها باتت خارج التاريخ.

وفي هذا السياق، جاء التذكير بمواقف أربعة من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الرافضين لإلغاء معاهدة الدفاع، كدليل إضافي على عمق الأزمة داخل هذا الكيان، وعلى عجزه عن اتخاذ قرارات تعكس إرادة الشعب.

بالنسبة لأبناء المهرة والجنوب عمومًا، لم يعد لهذا المجلس أي شرعية تمثيلية، في ظل غيابه عن هموم الناس وتجاهله لتضحياتهم.


*المرأة المهرية


كان لحضور المرأة المهرية في المليونية دلالة خاصة، جسدتها كلمة الأستاذة فاطمة سعدان، عضو الجمعية الوطنية، التي أكدت أن المرأة الجنوبية ليست مجرد متفرج على الأحداث، بل شريكة أصيلة في معركة التحرير والاستقلال. لقد شددت سعدان على أن إرادة الشعوب لا تُكسر، وأن العالم مطالب باحترام إرادة شعب الجنوب وحقه في تقرير مصيره.

هذا الحضور النسوي اللافت عكس تطور الوعي السياسي والاجتماعي في المهرة، وأكد أن مشروع الدولة الجنوبية ليس مشروع نخبة أو فئة، بل مشروع مجتمع بأكمله، تتكامل فيه أدوار الرجال والنساء في بناء المستقبل.

*إعلان الدولة الجنوبية: من الشعار إلى الاستحقاق*

لم تكن المطالبة بإعلان دولة الجنوب العربي في مليونية المهرة مجرد شعار عاطفي، بل تعبيرًا عن استحقاق سياسي نضجت شروطه على الأرض.

أكدت الجماهير أن الجنوب يمتلك اليوم مقومات الدولة، من أرض وشعب وقوات مسلحة وإدارة سياسية، وأن ما ينقصه هو الاعتراف بإرادة شعبه، لا منحها شرعية من الخارج.

إن الربط بين مليونية المهرة والأحداث الجارية في الجنوب يعكس وعيًا عميقًا بأن معركة الاستقلال ليست منفصلة عن الصراعات الإقليمية، وأن الجنوب مطالب ببلورة موقف وطني موحد، يحمي مصالحه ويصون تضحياته.

وقد جددت المليونية العهد على مواصلة النضال السلمي والجماهيري، حتى تحقيق الحرية والاستقلال، وبناء دولة الجنوب العربي على أسس العدالة وسيادة القانون، وضمان كرامة المواطن وحماية الثروات الوطنية.
بهذا الزخم الشعبي، أكدت المهرة أنها في قلب المعادلة الجنوبية، وأنها لن تكون ساحة للتجاذبات أو بوابة للوصاية، بل شريكًا فاعلًا في صناعة مستقبل الجنوب.
قالت الغيضة كلمتها، ودوّى صداها في كل أرجاء الجنوب" الدولة قادمة، والإرادة الشعبية أقوى من كل محاولات الإجهاض



الأكثر زيارة


عاجل: ‏السعودية تقصف ميناء المكلا في ⁧‫حضرموت‬⁩.

الثلاثاء/30/ديسمبر/2025 - 04:55 ص

عاجل: ‏السعودية تقصف ميناء المكلا في ⁧‫حضرموت‬⁩


تصريح هام من قائد قوات درع الوطن حول مستجدات الأوضاع .. ماذا.

الثلاثاء/30/ديسمبر/2025 - 01:54 ص

قال قائد قوات "درع الوطن" بشير المضربي إن قواته "قوات أمن وسلام لا تعتدي على أحد ولا تبطش بأحد"، مؤكداً أنها أينما حلت "حلّ الأمن والسلام وحلّ العطاء


عاجل / أول رد من الانتقالي : لن يفرض قصفٌ أو ترهيبٌ مخبراً ك.

الثلاثاء/30/ديسمبر/2025 - 01:34 م

أطلق الأستاذ مؤمن حسن السقاف، رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بالعاصمة عدن، تصريحات مدوية دافع فيها عن الشراكة الاسترات


اليافعي: الأطراف التي تدفع السعودية لمواجهة مع الجنوب هي نفس.

الثلاثاء/30/ديسمبر/2025 - 01:53 ص

أكد الدكتور ياسر اليافعي أن القوى التي تدفع اليوم باتجاه جرّ المملكة العربية السعودية إلى مواجهة مع الجنوب، هي ذاتها الأطراف التي كانت في وقت سابق تصف