بينما نلمس اليوم بصيصاً من الاستقرار الذاتي، ونستنشق نسمات الحرية التي بدأت تهب على مشهدنا الجنوبي، يراودنا طموح مشروع يتجاوز مجرد الصمود؛ إننا نتطلع إلى فجر الاستقلال الكامل، والتمكين الحقيقي على كل شبر من ترابنا الطاهر، فنحن لا نستجدي حقنا، لكن بالمقابل ينبغي علينا أن نصنع واقعاً جديداً يفرض نفسه على العالم بقوة مؤسساتنا وعزيمة شعبنا.
وحين نتحدث عن فرض الواقع، نستذكر بفخر العملاقين الشامخين اللذين شكلا معاً القوة الاقتصادية الضاربة للجنوب قبل العام 90م؛ "شركة النفط الوطنية" وتوأمها السيادي "مصفاة عدن"، لقد كان هذا التكامل الاقتصادي يرفد خزينة الدولة بالنسب الأكبر من الدخل القومي.
وكأني أرى الآن شعلة المصفاة وهي تعود لتضيء سماء العاصمة من قلب "البريقا"، تلك الشعلة هي رسالتنا للعالم بأننا استعدنا نبضنا وصمام أماننا الاقتصادي الذي يُدار بأيدٍ وطنية مخلصة تضيء الحاضر والمستقبل.
ولا يمكننا الحديث عن قيام دولة دون استعادة ركائزها الاستراتيجية، معلنةً انتهاء زمن الارتهان وعودة الروح لخزينة الدولة ودخلها القومي المنهوب، وما تعرضت له "مصفاة عدن" من تعطيل متعمد ومؤامرات خبيثة جعلتها كـ "جثة هامدة"، لم يكن إلا محاولة لكسر إرادة الجنوب، فالمصفاة هي القوة الأهم التي ترتكز عليها سيادتنا؛ وإعادة تشغيلها ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو قرار سيادي بامتياز.
و في هذه الظروف الحرجة، يبرز دور المغترب الجنوبي ورجال المال والأعمال كشركاء في القرار والبناء, لأن رهاننا اليوم هو الاعتماد على النفس؛ فبناء قطاع اتصالات وطنية متطورة برأس مال وكوادر جنوبية، والاستثمار في المشاريع الحيوية، هو ما سيجعل استقلالنا واقعاً صلباً، ونحن نمتلك العقول والموارد، وبعزيمة رجالنا سنرسم نموذجاً ديمقراطياً يبهر الغرب قبل الشرق، ويجبر الجميع على التعامل معنا بتقدير وندية كاملة.
إن الدولة التي يفرضها واقعنا اليوم لابد من بروز ملامحها الأساسية من (نظام، عدالة، وكرامة)، و هي التي ستعيد الحقوق لأصحابها، فهيبة النظام بشوارع نظيفة، ورجال مرور و أمن يجسدون الرقي بانضباطهم وابتسامتهم الواثقة، وبالعدالة الاجتماعية بتعليم مجاني يبني الأجيال من الابتدائية حتى الجامعة، ومستشفيات وطنية توفر العلاج والكرامة دون أن يدفع المواطن "سنتاً" واحداً، وبالتعافي الاقتصادي بإحياء المصانع التي دُمّرت بخبث ممنهج، لنكتفي ذاتياً ونستعيد ريادتنا عبر موانئنا ومطاراتنا ومعابرنا.
واعلموا بأن جنوبنا القادم ليس مجرد حلم مستورد من الماضي، بل هو واقع نصنعه بانتزاع مؤسساتنا من براثن التعطيل، وبوجود حكم رشيد، وعدالة تضمن مساواة الجميع، سنثبت للعالم أننا أسياد قرارنا، فالفجر الذي ننشده يبدأ بإعادة تشغيل مصانعنا ومصافينا، وبسواعد أبنائنا ويقيننا بأن الحق الذي وراءه شعبٌ لا يلين..
حتماً لا ولن يضيع.