مقالات صحفية


رشاد العليمي: بين ضرورة مغادرة مجلس الرئاسة والحفاظ على بقايا شرعية مُتهالكة

الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 - الساعة 11:35 م

د.  أمين العلياني
الكاتب: د. أمين العلياني - ارشيف الكاتب




في خطابٍ مليءٍ بالوعيد والتهديد المباشر، تجاوز رئيس المجلس الرئاسي التوافقي، رشاد العليمي، كل خطوط اللياقة السياسية وأعراف الصراع في المشاريع السياسية، ليرتقي بخطابه إلى مستوى التهديد الصريح بحياة الملايين من أبناء شعب الجنوب العربي الذي كان ذنبه الوحيد أنه حرر أرضه؛ ليفرض عليه العالم والاقليم رئيسًا شماليًا توافقيًا يكون مستغلًا منصه؛ ليتخذ منه وسيلة للعقاب ضد الشعب في الجنوب قبل الساسة المختلفة معه بالمشاريع السياسية. وبهذا لم يعد الهجوم موجهًا من رشاد العليمي ضد خصوم سياسيين أو قيادات في الجنوب هذه المرة، بل تحوَّل سلاح كلماته نحو صدور أبناء شعب الجنوب العربي أنفسهم، معلنًا بوضوح نيّته في خنقهم عبر حصار اقتصادي شامل، يقطع عنهم شريان الحياة: الرواتب، والوقود، والكهرباء، والخدمات الأساسية.
إن هذا التهديد الصادر عن رشاد العليمي قد أضحى تهديدًا لا يختلف في جوهره عن إعلان حرب إبادة جماعية بطيئة، يُمارس تحت سمع الدبلوماسية العالمية وبصرها على شعب الجنوب العربي لا ذنب لهذا الشعب الجنوبي العربي أنه كان سببًا في تحرير أرضه من رجس الحوثي الإيراني والإخواني الداعشي واعطى هذا رشاد شرعية بات يتخذها ضده وضد إرادته وتطلعاته ومشروعه السياسي.

جاء هذا الخطاب المُفزع، الذي أُلقِيَ أمس أمام سفراء دول إقليمية ودولية؛ ليكشف النقاب عن نيّة مبيّتة، أو على الأقل عن عقلية استعلائية احتلالية غير مقبولة مطلقًا تهدف إلى إخضاع الجنوب العربي لوصاية جديدة، تُعيد إنتاجه ككيان مُستَهلِك ومُستَعبَد، بعد أن فشلت كل محاولات الإدماج القسري والاحتلال السابق من نظامه البائد واحتلاله اللعين. واليوم يحاول العليمي، من موقعه الذي يتباهى به كـ"رئيس مجلس قيادة رئاسي"، تسويق تهديده الخشن على أنه إجراء "سيادي" أو "تأديبي" أو " يسعى إلى أحتواء"، متناسيًا، أو متناسيًا متعمدًا، أن شرعيته المُتداعية لا تمتلك أي سندٍ شعبي في الجنوب، وأنها قائمة أساسًا على حماية قوى خارجية ومشاريع ذاتية وتدميرية، فيما يجابه الجنوبُ تهديداته بقوة مشروعة نابعة من إرادة أبنائه وجيشهم وأمنهم الذين يدافعون عن وجودهم وحقوقهم الواضحة في المقصد والمطالبة عبر الاعتصامات والمظاهرات التي تشهدها يوميًا ساحات الجنوب وتتمثل في استعادة دولتهم غير منقوصة عبر مفوضهم الرئيس عيدروس الزبيدي ونائبيه في المجلس الانتقالي والاعضاء في مجلس القيادة الرئاسي.

والسؤال المُلِحّ الذي يطرحه هذا المشهد المُخزي: هل يمكن أن يوافق سفراء دول إقليمية ودولية تحترم القانون الدولي والإنساني، ولو ضمنًا، على سياسة التجويع والعقاب الجماعي؟ الجواب قطعًا هو لا. فما هدَّد به العليمي يُصنَّف دوليًّا على أنه "عقاب جماعي" محظور بموجب المواثيق والأعراف الدولية، وهو سلوكٌ ترفضه البشرية جمعاء. والمجتمع الدولي اليوم مدعوّ أكثر من أي وقت مضى، إلى تحمُّل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية في حماية شعب الجنوب من سلطةٍ تهدده بالتجويع بدل أن تخدمه، خاصةً وأن هذا الشعب يعاني أصلاً من عقودٍ طويلة من التمييز المنهجي والتهميش الاقتصادي والاحتلال السياسي، وهو ما اعترف به خطاب العليمي نفسه بشكل غير مباشر عندما كرّس هذه السياسات كأداة تهديد ومحاولة لتمزيق المجتمع في الجتوب من الداخل.

بل إن المأساة تكمن في أن هذا الخطاب يأتي في لحظة يُمارس فيها أبناء شعب الجنوب حقًا مشروعًا في الدفاع عن أمنهم واستقرارهم، وأصبحوا اليوم في اعتصامات مفتوحة بعد أن يأست من شرعية متهالكة وانهارت مؤسسات الدولة تحت قيادتها الهاربة واختفت.

إن ما تصفه سلطة العليمي بـ"انتهاك المرجعيات" هو في حقيقته عملية تصحيح لمسارٍ مختلّ، ودعم للسلطات المحلية الجنوبية في مواجهة الإرهاب والتهريب والتمرد المدعوم من العليمي نفسه على سلطة المحافظين، وهي آفات كانت تتلقى الدعم والتمويل من دوائر معروفة يقف العليمي نفسه في قلبها؛ فكيف تُصبح "المرجعيات" سلاحًا يُوجَّه فقط ضد الجنوب، بينما يتم تعطيلها تمامًا في الشمال؟ أليست هذه الازدواجية دليلًا قاطعًا على أن الهدف ليس تطبيق القانون، بل إخضاع الجنوب بعينه مرة أخرى وهو ما يرفضه شعب الجنوب جملة وتفصيلًا؟

الأمر الذي يدعو للسخرية المُرة، أن من يهدد بقطع الرواتب والخدمات هو طرفٌ غائبٌ تمامًا عن ساحات المواجهة الحقيقية، حيث يذود أبناء شعب الجنوب، يوميًّا، بدمائهم عن حدودهم وهويتهم ضد زحف المليشيات الحوثية والإخوانية الإرهابية؛ فبينما يصنع الجنوبيون الاستقرار على الأرض، تأتي حكومة العليمي لتهدد هذا الاستقرار من خلال اللقاءات الدبلوماسبة؛ إنه فصلٌ صارخ بين الواجب والتلويح بالسلطة.

لقد تجاوز تهديد العليمي كونه خلافًا سياسيًا؛ ليصبح تهديدًا وجوديًّا بحق شعب كان دولة ذات سيادة، فمن يلوّح بتجويع شعبٍ بكامله إنما يعلن عداءً صريحًا للحياة نفسها، ومن يزعم أن العالم يرفض خطوات الجنوب نحو تأمين استقلاله، إنما يحاول الهروب من جذر الأزمة كلها: قضية شعبٍ اغتُصبت حقوقه، ولن يكون هناك استقرار حقيقي في المنطقة إلا باستعادة حقه في تقرير مصيره.

لا يمكن لمن لم يقدّم خدمة واحدة لشعب الجنوب، ولم يحمِ منشآتهم، ولم يدافع عن حدودهم وممرات مياههم، أن يحتكر وصف "السلطة الوحيدة"؛ فالشرعية الحقيقية تُكتَسَب من الشعب، بالخدمة والتضحية، وليس من البيانات والخطابات التهديدية في القصور والغرف المغلقة، والقوات المسلحة والأمنية الجنوبية ليست أجسامًا غريبة، بل هي لحمة من نسيج المجتمع الذي تحميه، وادعاء أن انسحابها يعني الاستقرار هو قلب للحقيقة؛ فالحقيقة أن انسحابها يعني فتح الباب على مصراعيه لعودة الإرهاب والفوضى وهو يعلم كيف كانت محافظة عدن مع التحرير وكيف طاردت القوات الجنوبية أوكار التنظيمات في أبين وشبوة وساحل حضرموت واليوم تستكمل مشروع التطهير؛ ليستقر الجنوب، ليكون مشروعًا عربيًّا صلبًا في مواجهة أعداء مصالح شعبه والدول الإقليمية والدولية.

ختامّا، إن المشهد برمته يؤكد حقيقةً واحدةً ثابتة: الجنوب وشعبه هما الضحية التاريخية التي تتحمل وزر أزمات لم يصنعها وخطاب التهديد بالحصار والتجويع هو اعترافٌ صارخٌ بهذه الحقيقة، وفشلٌ ذريع في تقديم أي حلول والمجتمع الدولي أمام امتحانٍ حاسم: إما أن يقف متفرجًا على سياسة العقاب الجماعي التي يتبناها رشاد العليمي، وإما أن يفي بمسؤولياته في حماية شعب عربي في الجنوب ويدعم المسار السياسي العادل الذي يبدأ بالاعتراف بمعاناة هذا الشعب في الجنوب، وحقه في الأمن والاستقلال، ويجب أن يعي أن بقاء العليمي في موقع يتيح له تهديد شعبٍ بكامله لم يعد مجرد قضية سياسية، بل أصبح قضية إنسانية وأخلاقية تمسّ ضمير العالم والإقليم وقبل أن تذهب نواة الاستقرار الآمن للمنطقة من الجنوب يجب الحفاظ عليها لا الدفاع عن رئاسة الهاربين ومصدر تمويل للمشاريع الإخوانية والحوثية.




الأكثر زيارة


واس : تفاهمات سعودية – إيرانية حول الحـ.ـرب في اليمن "تفاصيل.

الثلاثاء/09/ديسمبر/2025 - 04:48 م

عُقد في طهران اليوم الاجتماع الثالث للجنة الثلاثية السعودية–الصينية–الإيرانية المشتركة لمتابعة تنفيذ “اتفاق بكين”، وذلك برئاسة نائب وزير الخارجية الإي


عاجل : اتفاق سعودي إيراني بشأن وقف الحرب في اليمن.

الثلاثاء/09/ديسمبر/2025 - 04:40 م

قالت وكالة الأنباء الإيرانية، مساء الثلاثاء، إن اجتماعًا ثلاثيا عُقد في طهران برعاية صينية، جمع مسؤولين من إيران والسعودية والصين، وأسفر عن اتفاق جديد


الرئيس الزُبيدي يوضح شكل الدولة الجنوبية القادمة ويؤكد مصيري.

الثلاثاء/09/ديسمبر/2025 - 04:14 م

عقد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الثلاثاء، لقاءً موسعًا ضم أعضاء هيئة رئاس


عاجل : انفراجه في أزمة الغاز بالعاصمة عدن.

الثلاثاء/09/ديسمبر/2025 - 05:04 م

عادت حركة مقطورات الغاز عصر الثلاثاء إلى طبيعتها عقب رفع القطاعات القبلية في محافظة مأرب، والتي تسببت خلال الأسبوع الماضي في توقف كامل لإمدادات الغاز