تحليل: اعتـ..قال حــ..وثـ. ي في ألمانيا... بداية لتدويل المساءلة أم إجراء أمني معزول؟
الإثنين - 26 مايو 2025 - 12:02 ص
صوت العاصمة | محمد الحربي
في تطور لافت يعكس تحولًا في تعامل بعض الدول الأوروبية مع الجماعات المسلحة المنخرطة في النزاعات الداخلية، أعلنت السلطات الألمانية في 21 مايو/أيار 2025 عن اعتقال المواطن اليمني "حسين ح" في مدينة داخاو قرب ميونيخ، بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية أجنبية هي جماعة الحوثي المسلحة.
وبحسب تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس (AP)، فإن المشتبه به انضم إلى الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وتلقى تدريبات عسكرية وأيديولوجية قبل أن يُشارك في أعمال قتالية بمحافظة مأرب مطلع 2023.
ورغم أن الحادثة تبدو للوهلة الأولى جزءًا من الجهود الأمنية المحلية لمكافحة التطرف، إلا أن دلالاتها السياسية والقانونية أوسع من ذلك بكثير. فهي قد تعكس تصاعد القلق الأوروبي من الخطر العابر للحدود الذي باتت تمثله جماعة الحوثي، خاصة بعد هجماتها المتكررة على السفن في البحر الأحمر، وما تسببه من تهديد مباشر للأمن البحري والتجارة الدولية.
أوروبا تغيّر نظرتها...
تتعامل الدول الأوروبية مع جماعة الحوثي بوصفها أحد أطراف النزاع في اليمن، وأحيانًا كقوة أمر واقع. غير أن الاعتداءات على الملاحة الدولية، واستخدام الجماعة لتقنيات عسكرية إيرانية في تهديد مصالح عالمية، بدأ يدفع باتجاه تغيير جذري في هذه المقاربة.
فالتحقيق مع "حسين ح" لا يُعالج فقط مسألة الانتماء إلى جماعة مصنّفة إرهابيًا – ولو أن هذا التصنيف غير رسمي في بعض الدول – بل قد يُسلّط الضوء أيضًا على تورّط محتمل في جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة بحق المدنيين اليمنيين. وهذا يُعيد إلى الواجهة مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح للدول ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية حتى إن وقعت خارج أراضيها، وهو ما ينطبق على القانون الألماني.
فرصة لتحريك المساءلة الدولية
في ظل غياب آليات مساءلة فعّالة داخل اليمن، وانهيار منظومة القضاء المستقل، يُشكّل مثل هذا الاعتقال فرصة نادرة لتفعيل أدوات العدالة الدولية ضد أطراف النزاع، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي التي توثّق تقارير أممية وإنسانية ضلوعها في تجنيد الأطفال، والإخفاء القسري، والتعذيب، واستهداف المدنيين.
تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من القضايا قد يشكّل أرضية قانونية لملاحقة قيادات أخرى متورطة، وخاصة إذا تم التحقق من أن المشتبه به تلقّى أوامر مباشرة من مسؤولين أعلى داخل الجماعة. وربما يشجّع ضحايا الانتهاكات على تقديم شكاوى لدى النيابات الأوروبية، استنادًا إلى مبدأ الاختصاص العالمي.
رسائل سياسية وقانونية مزدوجة
الرسالة التي تبعث بها هذه القضية تتجاوز ألمانيا، لتصل إلى الحوثيين وإلى المجتمع الدولي على حد سواء. فهي تقول: إن الانتماء لجماعة مسلحة متورطة في أعمال إرهابية وانتهاكات حقوقية، لن يُوفّر لصاحبه الحماية حتى خارج بلده. وهي في الوقت ذاته دعوة ضمنية إلى إعادة تقييم العلاقة الدولية مع الجماعة.
في ظل تفاقم الانتهاكات وتوسّع تأثير النزاع اليمني إقليميًا ودوليًا، يتطلّب من المجتمع الدولي اتخاذ موقف واضح من المساءلة، بعيدًا عن مقاربات التسوية السياسية التي تتجاهل حقوق الضحايا.
لا عدالة دون مساءلة
هذا الاعتقال، مهما كانت مخرجاته القضائية والسياسية، يؤكد أن العدالة يمكن أن تجد طريقها ولو من خارج الحدود. ففي غياب إرادة سياسية يمنية لتحقيق الإنصاف، تبقى المحاكم الدولية والوطنية في بعض الدول الأوروبية الأمل الأخير لكسر دائرة الإفلات من العقاب.
المجتمع الدولي مطالب اليوم بدعم جهود المساءلة أينما وُجدت، وتفعيل الأدوات القانونية المتاحة لمحاسبة جميع أطراف النزاع، بمن فيهم جماعة الحوثي، لضمان سلام مستدام قائم على العدالة، لا على تقاسم الغنائم أو فرض الأمر الواقع.