مداد العاصمة



بين عدن وصنعاء: شهادة على مدينتين!

الإثنين - 23 يونيو 2025 - 01:49 ص

بين عدن وصنعاء: شهادة على مدينتين!

صوت العاصمة | خاص /عبدالوهاب قطران

بعد أن قضيت إجازة عيد الأضحى أحد عشر يومًا في ثغر اليمن الباسم عدن، تنفست رائحة البحر المالحة، وشاهدت زرقة مياهه تتراقص بلطف، وتتأملت تفاصيل حياة الناس هناك... عدن كانت نسمة في زمن الاختناق، استراحة محارب أنهكته الجبهات الخفية في صنعاء.

هناك، بدا كل شيء جميلًا، هادئًا، وإن لم يكن مثاليًا، لكنه بالمقارنة بدا جنة أرضية.
الكهرباء حكومية، تصل يوميًا أربع ساعات، وسعر الكيلو سبعة ريالات قعيطي، أي مجانًا تقريبًا، ومع ذلك الناس لا يسددون الفواتير.

الغاز أرخص بكثير من صنعاء، وسعر الأسطوانة لا يتجاوز 1500 ريال قديم.
الوقود أرخص، دبة البترول بسعر 7000 قديم فقط.
الاتصالات والإنترنت سريعة ورخيصة: كرت شبكة بــ1000 ريال قعيطي (200 ريال قديم فقط) يدوم عشرة أيام بسعة سبعة جيجا!

أما في صنعاء، فكرت الإنترنت بـ200 يتبخر في عشر دقائق!
كل السلع والخدمات بعدن أرخص، إلا القات، فهو أغلى هناك بكثير.

لكنّ المشهد الأبلغ دلالة، كان في الشوارع:
التسول نادر، ومقتصر على المهمشين فقط، وحتى هؤلاء، إذا أعطيت أحدهم مئة ريال قعيطي (عشرة ريال قديم)، تجمّل وفرح، كأنك منحته كنزًا.

رغم انهيار العملة، ما زالت السيولة موجودة في عدن، والناس يعملون، المال يجري في أيديهم. ثمة حياة تدبّ هناك.

أما في صنعاء...

فماذا أحدثكم عنها؟
يكفيها بيتُ البردوني:

"مليحة عاشقها السلّ والجربُ."

في صنعاء، صارت الشوارع أسواقًا مفتوحة للتسول:
نساء، فتيات جميلات، أطفال، رجال، شيوخ، يجوبون المدينة في كل مربع، يستجدون الناس.
تتوقف خمس دقائق في أي شارع، فيمر عليك عشرات المتسولين... مشهد مرعب، مؤلم، يجعلنا نكره الخروج من بيوتنا إلا للضرورة القصوى.

كل شيء هنا غالٍ، باهظ، متوحّش في كلفته:
الكهرباء، الماء، الغاز، الوقود، التعليم، الصحة، الاتصالات، الإنترنت.
والناس بلا دخل، بلا رواتب، بلا وظائف.
لا أمطار، لا خصب، لا محاصيل.
حتى الأرض شحت، والمواسم جفت، والزراعة ماتت من العطش.

الأسواق راكدة، الاقتصاد مشلول، الناس يتضورون جوعًا بصمتٍ وكرامةٍ مكسورة.

في صنعاء، لا نعيش كما يعيش البشر، بل نحيا كما تُحيا الحروب...

نركض فوق جراحنا، نحترق في صمت، ونبتلع مرارات الحياة اليومية كأنها وجبة مقررة.

كل شيء هنا ثقيل: الهواء، الصمت، الظلال، حتى الأمل إن وُجد، يأتي منكس الرأس، كأنه يعتذر عن تأخره.

نحنُ أبناء مدينة اختطفت من التاريخ والجغرافيا، ووُضعت في برزخ رمادي لا يشبه الحياة ولا الموت. مدينة عالقة بين أنفاس الموتى وصراخ الأحياء.

ينطبق علينا قول نيكوس كزنتزاكيس:
"حيث الإله القاسي للشعب يملي الوصايا الشديدة الصرامة: الحياة حرب، والعالم ساحة قتال. وواجبك الوحيد هو الانتصار. لا تنم. لا تضحك. لا تتزين. لا تتكلم. هدفك الوحيد في الحياة هو القتال. ولهذا... قاتل."

وهكذا قاتلنا...
لا لأجل قضية، ولا حبًا في البطولة، بل لنُبقي أرواحنا واقفة، كي لا تسقط كما سقطت جدراننا وأسقفنا وذكرياتنا.

تحولنا إلى كائنات مشوهة، نلهث خلف لقمة باردة، وكهرباء وغاز ووقود مسلع باهض الثمن، ودواء مفقود، وسلام داخلي يبدو في حكم المستحيل.

أصبحنا وحوشًا حضارية، نعيش بأطرافنا لا بقلوبنا،
نخجل من الضحك، ونتوجس من السكينة، كأن الفرح في صنعاء تهمة سياسية، والطمأنينة خيانة وطنية.

لقد صرنا نعيش كما تُعاش النكبات...
نكفّن أرواحنا صباحًا، ونحييها ليلًا، كي نكمل هذه الدوامة الأبدية.

صنعاء لم تعد مدينة، بل ساحة حرب مفتوحة على النفس، على الذاكرة، على الحلم، وعلى الحياة نفسها.



الأكثر زيارة


عاجل : تدشين صرف رواتب منتسبي وزارة الدفاع لشهر يوليو الماضي.

الإثنين/17/نوفمبر/2025 - 03:24 م

زف صحافي عسكري بشرى بانفراجة وشيكة لرواتب العسكريين في الجيش والأمن وكشف الإعلامي العسكري ورئيس صحيفة الجيش العميد علي منصور مقراط عن مصدر مسؤول في مك


بدء صرف مرتبات الجيش لشهر يوليو عبر بنك عدن.

الإثنين/17/نوفمبر/2025 - 04:53 م

بدأت الجهات المختصة التجهيز لصرف مرتبات منتسبي الجيش لشهر يوليو عبر بنك عدن، بعد استكمال الإجراءات المالية المتأخرة خلال الأيام الماضية. وقالت مصادر م


ترتيبات مالية مرتقبة في عدن خلال الأيام القادمة.

الإثنين/17/نوفمبر/2025 - 10:13 ص

أكد مصدر مطلع في العاصمة عدن أن الاستعدادات جارية لصرف مرتب شهر واحد لموظفي القطاع الحكومي والقطاعات العسكرية والأمنية خلال الأسبوع الجاري. ويأتي هذا


إعلامي يمني يثير الجدل برسالة: اتركوا هذه البلاد.

الإثنين/17/نوفمبر/2025 - 06:51 ص

أثار الإعلامي وصانع المحتوى اليمني محمد هلال جدلًا واسعًا بعد نشره صورة له من مطار عدن الدولي، مرفقًا معها رسالة قصيرة وحادة اللهجة دعا فيها الشباب إل