عندما ترفض الأجيال ان تصبح معلمين … سقوط اخر حصون الوطن
الثلاثاء - 01 يوليو 2025 - 09:11 م
صوت العاصمة | أماني باخريبة
في ظل عتمة تخيم على مستقبل التعليم في اليمن تبرز كارثة تربوية تكاد تكون الأشد خطرًا بين كل الكوارث التي تعصف بالبلاد إنها ظاهرة عزوف الطلاب عن كليات التربية التي بلغت حدًا ينذر بانهيار كامل لمنظومة التعليم.
أرقام صادمة تكشف أن بعض أقسام التربية في جامعات عدن وتعز وحضرموت وغيرها من الجامعات لم تستقبل سوى ثلاثة طلاب أو أقل بينما أُغلقت أقسام علمية كاملة لانعدام الطلاب إنها ليست مجرد أزمة بل هي نذير بفقدان جيل كامل من المعلمين وبالتالي جيل كامل من المتعلمين وكيف وصلنا إلى هذا الحضيض … أليس في ذلك إعلان صريح بموت المجتمع!! إن الأرقام تتحدث عن نفسها.
ففي جامعة عدن، لم يتجاوز عدد المقبولين في كلية التربية للعام 2024-2025 أربعة وتسعين طالبًا، بينما كان العدد في السنوات السابقة يقارب الألف. أما في جامعة تعز، فقد انخفض العدد من 1,200-1,300 طالب إلى 185 طالباًت فقط.
وتشير تقارير غير رسمية من جامعة حضرموت إلى أن بعض الأقسام لم تستقبل سوى خمسة طلاب أو أقل مما يهدد بإغلاقها قريبًا.
وتشير المعلومات ان في جامعة عدن انخفض عدد الطلاب في كلية التربية من 2276 طالبًا في العام الدراسي 2009/2010 إلى 99 طالبا فقط في 2022/2023
وفي جامعة شبوة: انخفض عدد الطلاب في كلية التربية من 2100 طالب في 2014/2015 إلى 200 طالب في 2022/2023.
لقد تجاوزنا مرحلة التحذيرات إلى مرحلة الكارثة الحقيقية التي تهدد بانهيار آخر حصوننا الوطنية.
اعتقد ان أسباب هذا العزوف تعوود إلى عوامل متشابكة أهمها الأوضاع الاقتصادية المتردية وخاصة بعد الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي على اليمنيين التي جعلت من مهنة التعليم خيارًا غير مجد حيث لا يتجاوز راتب المعلم (ثلاثين دولارًا) كما أن توقف التعيينات الحكومية منذ خمسة عشر عامًا أفقد الطلاب الأمل في إيجاد فرصة عمل بعد التخرج مما جعل الطلاب يتجهون الى الكليات التطبيقية التي من خلال سيجدون على فرص عمل بعد تخرجهم .ولا يمكن إغفال العامل الاجتماعي المتمثل في النظرة الدونية لمهنة التدريس والتي أصبحت مرتبطة في الأذهان بالفقر والهوان.
ويبدو ان هذا التراجع سيؤدي في طريقه إلى سقوط آخر حصون التعليم فهو حقيقة تعتبر مخاطر جسيمة تهدد البنية التحتية للمجتمع اليمني فإغلاق أقسام علمية كالفيزياء والكيمياء في جامعة تعز ليس مجرد إحصائية بل هو ناقوس خطر ينذر بفقدان كوادر علمية مستقبلية كما أن استمرار هذا الوضع سيؤدي حتماً إلى تدهور جودة التعليم وارتفاع معدلات الأمية مما يعمق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.
تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من المسؤولية بسبب تقاعسها عن معالجة الأزمة، سواء عبر تحسين رواتب المعلمين أو توفير فرص عمل للخريجين. كما أن الجامعات لم تبذل جهدًا كافيًا لتطوير برامجها الدراسية أو تحسين بيئتها التعليمية. أما المجتمع، فقد ساهم في تفاقم المشكلة من خلال النظرة السلبية لمهنة التدريس وتركيزه على الجانب المادي عند توجيه أبنائه نحو التخصصات الجامعية.
حيث تمثل الحكومة الطرف الأكثر مسؤولية في هذه الأزمة حيث تقاعست عن أداء واجباتها الأساسية تجاه المنظومة التعليمية. فمن ناحية أهملت تطوير سياسات التوظيف وظلت رواتب المعلمين متدنية بشكل مهين لا يتجاوز 30 دولارًا شهريًا، وهو مبلغ لا يكفي لسد أبسط الاحتياجات المعيشية. ومن ناحية أخرى، سمحت بانتشار الفساد في عمليات التعيين، حيث أصبحت الواسطة والمحسوبية معايير أساسية في التوظيف بدلاً من الكفاءة والمؤهلات.
كما فشلت في تحديث المناهج التعليمية وتطوير البنية التحتية لكليات التربية، مما جعلها غير قادرة على مواكبة متطلبات العصر ايضا هناك ملفات لدى مكاتب الخدمة المدنية منذ العام 2000 لم يتم توظيفهم .
تقف الجامعات وكليات التربية على خط المواجهة هيا أيضا في هذه الأزمة. فبدلاً من أن تكون حاضنات للتميز والإبداع تحولت إلى مؤسسات بيروقراطية تعاني من الجمود الفكري والإداري. لقد فشلت في تطوير برامجها الأكاديمية ولم تبذل جهوداً كافية لتغيير الصورة النمطية السلبية عن مهنة التدريس كما غابت عنها آليات التقييم والمحاسبة مما سمح بتراجع مستوى الخريجين دون أي محاولات جادة للإصلاح يكمن جزء كبير من الأزمة في المسئولية المجتمعية والعقلية المجتمعية السائدة التي تنظر إلى مهنة التدريس نظرة دونية.
لقد قبل المجتمع بهذا الوااقع المتردي دون دون أي حسبان مقاومة تذكر بل ساهم في تعميقه من خلال توجيه أبنائه نحو تخصصات أخرى تبدو أكثر ربحية كما غاب دور النخب الفكرية والإعلامية في الدفاع عن مكانة المعلم ودوره المحوري في بناء الأجيال والأخطر من ذلك أن بعض الأسر أصبحت تثني أبناءها عن الالتحاق بكليات التربية مما ساهم في تفاقم الأزمة حيث انه خلال بحثي عن دراسات حول هذه الظاهرة لم اجد دراسات اهتمت بهذه الكارثة الحقيقة.
وبما ان خريجي كليات التربية جزء من المجتمع لا يمكن إغفال دورهم في هذه المعادلة. فالكثيرون منهم قبلوا بالواقع كما هو دون محاولة للتغيير أو التطوير الذاتي كما غاب عن بعضهم الوعي بأهمية دورهم المجتمعي مما أضعف قدرتهم على المطالبة بحقوقهم أو الدفاع عن مكانتهم المهنية.
هذه الحلقات المتداخلة من المسؤولية تشكل نسيجاً معقداً للأزمة، حيث يتغذى كل طرف على إخفاقات الطرف الآخر. فالحكومة تتذرع بضعف الإقبال على التخصص لتبرير تقصيرها، والمجتمع يستخدم تقصير الحكومة كمبرر لابتعاده عن المهنة، في دائرة مفرغة تهدد بانهيار كامل للمنظومة التعليمية.
مواجهة هذه الأزمة التعليمية الخطيرة تتطلب خطة عمل متكاملة تبدأ بإصلاحات عاجلة في الجانب المالي والمهني تشمل رفع رواتب المعلمين إلى مستويات لائقة لا تقل عن مائتي دولار شهريًا، وإعادة فتح باب التعيينات الحكومية مع ضمان أعلى معايير الشفافية والعدالة وإنشاء صندوق دعم مالي لطلاب التربية يتم تمويله من من عائدات النفط او من خلال تبرعات المغتربين ومساهمات القطاع الخاص ويجب أن يصاحب ذلك تطوير جذري للمنظومة التعليمية يشمل تحديثاً شاملاً للمناهج الدراسية التي ظلت جامدة لعقود، وتأهيل البنية التحتية لكليات التربية التي تعاني إهمالاً كبيراً، وإطلاق برامج تأهيلية مكثفة للمعلمين بالشراكة مع المؤسسات الدولية المتخصصة، وإنشاء مراكز تميز تربوية في كل محافظة لتكون نواة للتطوير المهني.
كما نؤكد على أهمية إطلاق حملة وطنية شاملة تهدف إلى تغيير الصورة النمطية السلبية عن مهنة التدريس من خلال برامج إعلامية مكثفة، وإدراج مادة مثل ثقافة التربية في مناهج المرحلة الثانوية وعقد مؤتمر سنوي تحت عنوان إنقاذ التعليم برعاية رسمية لرصد التحديات واقتراح الحلول ولا بد من إقامة شراكات استراتيجية فاعلة مع القطاع الخاص لتوفير فرص تدريب وعمل لخريجي كليات التربية وإبرام اتفاقيات تعاون مع الجامعات العربية الرائدة في مجال إعداد المعلمين ومنح دراسية كاملة لأوائل الثانوية العامة لضمان جذب الكفاءات المتميزة إلى سلك التدريس ونعتبر هذه الحلول المتكاملة تشكل خارطة طريق عملية لإنقاذ التعليم من الهاوية، ولكنها تبقى حبرًا على ورق ما لم تتحول إلى قرارات سياسية فورية تنفذ بجدية وإرادة قوية لأن كل يوم تأخير في معالجة هذه الأزمة هو خطوة جديدة نحو كارثة تربوية قد لا يمكن تعويضها لاحقًا.
وبما ان التعليم يعتبر اخر خطوط الدفاع انني أرى كسياسية ولي خبرة في التعليم أن هذه الظاهرة تمثل تهديدًا وجوديًا لمستقبل اليمن فالتعليم ليس مجرد خدمة بل هو حجر الأساس في بناء الأمم وإن تقاعسنا اليوم عن إنقاذ كليات التربية يعني أننا نختار طوعياً أن نكون أمة بلا مستقبل لقد آن الأوان لوقف هذا الانحدار قبل فوات الأوان.