أخبار دولية



مسهور : نهاية الوهم الكبير .. سقوط الإخـ.ـوان في واشنطن

السبت - 29 نوفمبر 2025 - 12:33 ص

مسهور : نهاية الوهم الكبير .. سقوط الإخـ.ـوان في واشنطن

صوت العاصمة/ متابعات



لم يكن القرار الأميركي المتوقع بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًا مجرد منعطف سياسي في واشنطن، بل هو تحول بنيوي يعيد صياغة علاقة امتدت لعقود بين الولايات المتحدة وتنظيم استخدمته الإدارات الأميركية المتعاقبة كأداة هندسية في ساحات النفوذ العالمي، فمنذ الحرب الباردة، كانت واشنطن تتعامل مع الإخوان باعتبارهم ذراعًا يمكن توظيفه في مواجهة الخصوم الجيوسياسيين، من الشيشان إلى أفغانستان، ومن سوريا إلى أوروبا، وخلال تلك العقود، كانت الجماعة تتحرك تحت حماية قانونية في ست دول مركزية… الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وماليزيا وباكستان، وهي الدول التي مثّلت ما يمكن تسميته “الجسد الموازي” للتنظيم الدولي، القادر على التمويل والتجنيد والاختراق.

لكن هذا الثبات تزعزع، ليس لأن واشنطن اكتشفت فجأة حقيقة الإخوان، بل لأن العالم العربي تغيّر، فالدول التي كانت تقف منفردة في مواجهة تغوّل الجماعة أصبحت اليوم تشكل جبهة سياسية واضحة، تتقدمها الإمارات العربية المتحدة، الدولة التي رأت أبكر من الجميع أن الإخوان ليسوا منافسًا سياسيًا، بل جذرًا أيديولوجيًا ينتج العنف تحت مسمى “الشرعية الدينية”، ما فعلته الإمارات لم يكن قرارًا إداريًا أو إجراءً أمنيًا، بل كان إعادة تعريف للمسافة بين الدين والدولة، وإعادة ضبط للوعي العام بعيدًا عن ابتزاز “الإسلام السياسي”.

حين صنفت الإمارات الإخوان جماعة إرهابية قبل سنوات، كانت تتعرض لهجوم إعلامي وسياسي شرس، لكنها لم تتراجع، ورسمت نموذجًا بديلًا قائمًا على التسامح وقبول التعددية، وقدّمت للعالم مشروعًا حضاريًا غير مسبوق مثل بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي، الذي يجمع بين المسجد والكنيسة والكنيس في فضاء واحد، لا كتجربة رمزية فحسب، بل كإعلان عن فلسفة دولة تؤمن بأن الاستقرار يبدأ من تحرير العقيدة من سطوة التحريض والتسييس، داخل هذا النسق، بدا تصنيف الإخوان ليس مجرد إجراء، بل خطوة في مشروع أوسع لتجفيف منابع الكراهية، وتأسيس فضاء ديني وإنساني جديد لا يخضع لابتزاز الجماعة.

اليوم، حين تنحاز واشنطن جزئيًا لهذا المسار، فإنها لا تفعل ذلك من قناعة ذاتية بقدر ما تفعله تحت ضغط أربعة أطراف عربية أساسية.. الإمارات والأردن ومصر والسعودية، لكن الإمارات ظلت صاحبة الخطوة الأولى، وصاحبة الرؤية التي سبقت التحولات، فالقرار الأميركي، مهما كانت دوافعه، يعيد الاعتبار لجهود أبوظبي التي ظلت لعقد كامل تحذر من تمدد الجماعة داخل المجتمعات الغربية، ومن خطورة المراكز الستة التي تدير شبكات تمويل ودعوة وتجنيد دولية، تسببت في تغذية الحركات المتشددة في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان.

ومثل ما هو مهم في البعد العربي العام، فإن للقرار الأميركي أثرًا مباشرًا على الجنوب العربي، الذي كان أكثر المناطق معاناة من تنظيم الإخوان، فالجنوب الذي ذاق مرارات حرب 1994، وتحديدًا في حضرموت وشبوة وأبين، يعرف جيدًا معنى أن يتحول “الدين السياسي” إلى غطاء للعنف والنهب والتفكيك المجتمعي، ولذلك كان المجلس الانتقالي الجنوبي من

الإمارات ظلت صاحبة الخطوة الأولى والرؤية التي سبقت التحولات فالقرار الأميركي مهما كانت دوافعه يعيد الاعتبار لجهود أبوظبي التي ظلت لعقد كامل تحذر من تمدد الجماعة داخل المجتمعات الغربية

أوائل الكيانات العربية التي صنفت الإخوان ممثلين بحزب الإصلاح كجماعة إرهابية محظورة، في خطوة مبكرة تعكس إدراكًا عميقًا لطبيعة الخطر، لكن الواقع المعقد في اليمن، ووجود التحالف العربي، واعتبارات الحكومة الشرعية، كلها عوامل منعت تطبيق هذا التصنيف بشكل كامل، فاحتفظت الجماعة بأذرع قادرة على الإضرار بالمشهد الأمني، سواء عبر واجهات سياسية أو عبر تغذية توترات قبلية.

ويظهر ذلك بوضوح في وادي حضرموت، حيث تحولت التوترات القبلية والسياسية إلى نمط جديد من الفوضى، تغذّيه عناصر مرتبطة بالإخوان، تستثمر في هشاشة الوضع الأمني وغياب الإدارة المركزية، فعمليات الاغتيال، ونقاط النفوذ المتقدمة لبعض القوى، ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر ببقايا شبكة “الإخوان” التي حاولت على مدار سنوات المحافظة على موطئ قدم داخل الوادي، مستفيدة من حالة القصور في تطبيق قرارات الحظر، ومن تردد القوى الدولية في اعتبار الإخوان جزءًا من المشكلة، هذا النفوذ تسبب في خلق ممرات متشابكة للعنف، وأدى إلى تعطيل مشاريع الأمن والاستقرار التي تسعى إليها حضرموت منذ سنوات.

الجنوبيون وخصومتهم مع الإخوان هي الأقدم باعتبار الجنوب جغرافية تنويرية تناقض فكرياً مع أفكار الإسلام السياسي الانعزالية والرجعية، منذ الاستقلال الأول كانت الخصومة تتجسد في منع استعمال المساجد ويعد الإجراء الجنوبي متقدماً عن كل الدول في العالم، لكن بعد 1990 بدأت عملية الانتقام بالتحالف مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وأصدرت أول فتوى تكفيرية في التاريخ الحديث ومنها أحتل اليمن الجنوب وفرض سياسة الأمر الواقع عليه في حرب صيف 1994.

القرار الأميركي إذن، إن اكتمل، سيخلق لأول مرة إسنادًا دوليًا لرؤية الجنوب تجاه الإخوان، وسيمنح المجلس الانتقالي وحلفاءه قوة سياسية إضافية في مواجهة “الجسد الموازي” للجماعة داخل المناطق المحررة، خصوصًا أن الولايات المتحدة، إذا التزمت بتطبيق القرار، ستمنع أي تواصل سياسي أو تمويل غير مباشر للإخوان في اليمن، وستحد من قدرة الجماعة على التحرك تحت مظلة الشرعية، وهذا سيكون تحولًا جوهريًا في ميزان القوى داخل الجنوب، ويمنح حضرموت خصوصًا نافذة لتثبيت الأمن بعيدًا عن تدخلات الإخوان الذين استثمروا في التوترات القبلية لتثبيت وجودهم.

وبالعودة إلى المشهد الدولي، فإن تصنيف واشنطن للإخوان خطوة ليست سهلة داخل المؤسسات الأميركية نفسها، فالإخوان بنوا في الولايات المتحدة شبكات قوية من المراكز الإسلامية، وجمعيات الإغاثة، ومؤسسات التعليم، ومراكز الأبحاث التي تتقاطع مع نشاط سياسي ناعم، وقد استفادت الجماعة لعقود من ثغرات القانون الأميركي الذي يفرق بين “الدين” و”السياسة”، وبين “العمل الخيري” و”العمل الأيديولوجي”، ولذلك سيكون هناك جدل داخلي حول كيفية تطبيق القرار، وحول ما إذا كانت واشنطن راغبة فعلًا في قطع العلاقة مع حليف خدم مصالحها لعقود.

لكن الضغط العربي اليوم خصوصًا بعد القدرة الإماراتية على بناء نموذج تسامح عالمي يتجاوز إطار الدولة الإسلامية التقليدية جعل كلفة حماية الإخوان أعلى من كلفة التخلي عنهم، وفي هذا السياق، يصبح القرار الأميركي، وإن كان متأخرًا، جزءًا من إعادة ترتيب جيوسياسية أوسع، لن يكون بعدها الإسلام السياسي قادرًا على الحركة بالحرية التي تمتع بها منذ السبعينيات الميلادية من القرن العشرين المنصرم.

ليس من المبالغة القول بأن تصنيف الإخوان حتى في صورته الجزئية الحالية هو بداية تفكيك التنظيم الدولي، وبداية عزل الجماعة عن العمق الغربي الذي ظل لعقود أكبر مصادر قوتها، أما العرب، فقد اختاروا هذه المرة أن يصنعوا اتجاهًا عالميًا، لا أن ينتظروا اتجاهات الآخرين، وفي قلب هذا الاتجاه تقف الإمارات، رائدة في الفكرة، ورائدة في التطبيق، ورائدة في إعادة تعريف معنى الدولة بعيدًا عن الابتزاز الأيديولوجي.



الأكثر زيارة


بعد تحريات.. أمن أبين ينجح في ضبط متهم بخطف فتاة.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 12:27 ص

ضبطت الأجهزة الأمنية في محافظة أبين، أمس الخميس، متهما باختطاف فتاة من مديرية لودر في محافظة أبين. وجاءت عملية الضبط عقب تنفيذ الأجهزة الأمنية تحريات


انسحاب أول نقطة تابعة لقيادة الهضبة بغرب المكلا بعد فرار قائ.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 09:58 م

في تطور جديد، انسحبت أول نقطة تابعة للتمرد القبلي بالهضبة من غرب المكلا ، بعد رصدها لتحركات قوات النخبة الحضرمية . وأكد مصدر محلي في منطقة الرجيمة بمي


البيض يعلن موقفه من التحشيد العسكري في حضرموت.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 01:19 م

بيان وتقدير موقف حول مستجدات الأوضاع في حضرموت تابعنا بقلق بالغ التطورات المتسارعة في حضرموت وما يرافقها من تحشيد وتصعيد يعكس حالة توتر غير مسبوقة في


احرص عليها يوميا.. 5 أطعمة للتخلص من ألم المفاصل.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 05:57 ص

يصيب ألم المفاصل الملايين حول العالم، وبينما يعتمد الكثيرون على الأدوية لتخفيف الأعراض، يلجأ آخرون إلى اتباع نظام غذائي مناسب. وتُظهر العديد من الأبحا