أخبار محلية



الجنوب بين ذاكرة الثورة وأفق الدولة

السبت - 29 نوفمبر 2025 - 12:39 ص

الجنوب بين ذاكرة الثورة وأفق الدولة

كتب : د. عامر الحريري



ليس كل تاريخٍ يُروى يصنع أمة، ولكن هناك لحظات فارقة تصنع هوية، وتؤسس لوعيٍ جمعي يظل يوجّه مسار الشعوب جيلاً بعد جيل. وفي الجنوب، لم تكن الثورات محطات عابرة في الذاكرة، بل شكلت بنية الوعي الوطني وملامح المشروع الحضاري الذي يتطلع إليه الإنسان الجنوبي اليوم.


لقد أدرك الجنوبيون مبكرًا أن الحرية ليست شعارًا، بل بنية أخلاقية وسياسية متكاملة، وأن الدولة ليست جغرافيا تُسكن، بل منظومة قيم تقوم على العدالة، والمواطنة، والفاعلية المؤسسية. ومن هذا الإدراك تشكلت في الجنوب عبر العقود إرادة لا تُقهر، ووعي سياسي متماسك صاغته تجارب الانكسار والانتصار، وتبناه جيلٌ جديد يعلم أن الشعوب التي تعرف طريقها لا تحتاج من يرشدها، بل تحتاج من يسير معها.
اليوم يقف الجنوب عند مفترق تاريخي حاسم؛
مفترقٍ يشكّل اختبارًا لقدرته على تحويل الذاكرة الثورية إلى مشروع دولة، وعلى إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة وفق فلسفة سياسية حديثة تستند إلى مفهوم “الوطن للجميع”، لا وفق إرث التحيّزات أو منطق الغلبة. فالجنوب الجديد لا يمكن أن يُبنى بآليات الأمس، ولا يمكن أن يستعاد من خلال اللغة التعبوية وحدها، بل من خلال خطاب وطني رشيد، وفكر سياسي متزن، ورؤية مستقبلية تستشرف ما بعد اللحظة الراهنة.
إن الدولة الجنوبية الفيدرالية التي ينشدها المواطن الجنوبي ليست كيانًا سياسيًا فحسب، بل هي عقد اجتماعي جديد يُعاد فيه تعريف السلطة بوصفها وظيفة، لا امتيازًا، ويُعاد فيه ترتيب العلاقة بين الفرد والمؤسسة، بحيث تتحول العدالة من مطلب إلى ممارسة، وسيادة القانون من شعار إلى ثقافة، والكرامة الإنسانية من حقٍّ إلى ضمانة دستورية.
الفيدرالية هنا ليست تقسيمًا للجغرافيا، بل توزيعًا رشيدًا للسلطة يحقق التوازن، ويعزز المشاركة، ويضمن ألا تتحول الدولة إلى مركزٍ مغلق، ولا إلى هامشٍ منسي. إنها صيغة سياسية متقدمة تتيح للجنوب بناء دولة قادرة على التكيف مع المتغيرات، والانفتاح على العصر، وصون الهوية دون الانكفاء على الذات.
ولعلّ أهم ما يحتاجه الجنوب اليوم هو إعادة ترميم الوعي الجمعي على قاعدة جديدة: أن الوطن ليس ملكًا لجماعة، ولا مشروعًا لطبقة، بل فضاءٌ مفتوح لجميع أبنائه، لا يضيق إلا بمن يحاول احتكاره، ولا ينهض إلا بمن ينتمي إليه بلا خوف وبلا عقد.
إن إعادة بناء الدولة الجنوبية ليست مهمة سياسية فقط، بل مهمة فكرية وثقافية وأخلاقية؛ مهمة تتطلب أن نرتقي بخطابنا إلى مستوى اللحظة، وأن نُخرج القضية من دائرة الصراع الضيق إلى فضاء المشروع الوطني الشامل الذي يتسع لكل طاقات المجتمع، ويجعل من التنوع قوة، ومن الاختلاف حافزًا للإبداع، لا مدخلًا للانقسام.
وعلى القوى الفاعلة أن تدرك أن التاريخ لا يمنح فرصًا كثيرة، وأن المسؤولية التاريخية اليوم تستدعي وعيًا ثوريًا ناضجًا يوازن بين الذاكرة والمستقبل، بين الكفاح السياسي ومتطلبات بناء الدولة، بين منطق العاطفة ومنطق المؤسسات.
إن الجنوب، وهو يفتح صفحة جديدة من تاريخه، بحاجة إلى مشروع وطني ناضج يكرّس قيم النظام، والقانون، والعدالة الاجتماعية، ويؤسس لدولة لا يُقصى فيها أحد ولا يتفرد فيها أحد.
دولة قادرة، عادلة، إنسانية…
دولة تُشبه حلم الإنسان الجنوبي الذي لم ينكسر يومًا، ولن ينكسر ما دام متمسكًا بإرادة الحياة.
وبذلك فقط…
يصبح الجنوب ليس مجرد قضية تُناقش، بل دولة تُبنى… ومصيرًا يُصاغ… ومستقبلًا يليق بالشعوب التي لم تتوقف يومًا عن المطالبة بحقها في الضوء.



الأكثر زيارة


بعد تحريات.. أمن أبين ينجح في ضبط متهم بخطف فتاة.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 12:27 ص

ضبطت الأجهزة الأمنية في محافظة أبين، أمس الخميس، متهما باختطاف فتاة من مديرية لودر في محافظة أبين. وجاءت عملية الضبط عقب تنفيذ الأجهزة الأمنية تحريات


انسحاب أول نقطة تابعة لقيادة الهضبة بغرب المكلا بعد فرار قائ.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 09:58 م

في تطور جديد، انسحبت أول نقطة تابعة للتمرد القبلي بالهضبة من غرب المكلا ، بعد رصدها لتحركات قوات النخبة الحضرمية . وأكد مصدر محلي في منطقة الرجيمة بمي


البيض يعلن موقفه من التحشيد العسكري في حضرموت.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 01:19 م

بيان وتقدير موقف حول مستجدات الأوضاع في حضرموت تابعنا بقلق بالغ التطورات المتسارعة في حضرموت وما يرافقها من تحشيد وتصعيد يعكس حالة توتر غير مسبوقة في


احرص عليها يوميا.. 5 أطعمة للتخلص من ألم المفاصل.

الجمعة/28/نوفمبر/2025 - 05:57 ص

يصيب ألم المفاصل الملايين حول العالم، وبينما يعتمد الكثيرون على الأدوية لتخفيف الأعراض، يلجأ آخرون إلى اتباع نظام غذائي مناسب. وتُظهر العديد من الأبحا