حين يكون الصمت أعلى صوتا من الكلام
السبت - 20 ديسمبر 2025 - 11:05 م
صوت العاصمة / كتب / حسن البهيشي
في ظل هذه الأحداث والمتغيرات السياسية والعسكرية المتسارعة التي تشهدها بلادنا اليوم .. وفي ظل هذه الأجواء الضبابية وحالة الإرتباك و الالتباس التي تطغى على المشهد السياسي ، من المهم جدا تغليب لغة المنطق والعقل عند التعاطي مع الأحداث ، وعند الحوار والنقاش ، بل ربما تكون لغة الصمت هي أكثر جدوى من لغة الكلام ، فهناك قطاع كبير من الناس لايزال تحت تأثير نوبة الفرح الشديد الذي باتوا معه في حاجة ماسة الى ضبط البوصلة التي تعيد توازنهم ، الذي جعلهم في حالة هم فيها أقرب إلى الهذيان منهم إلى الاتزان والرصانة عند تشخيصهم للأحداث ، فالإملاءات التي تتخلل طرحهم ، و نبرة الاستعلاء في حديثهم ، وقراءتهم للأحداث قراءة تتماها مع توجهاتم وقناعاتهم .. هي السائدة ، وليس لديهم أي مجال للإستماع والإنصات .. مما يجعل الصمت خيار حتمي لا غنى عنه في ظل هذه الأجواء .
وهناك مجموعة أخرى هرعت مباشرة إلى تغيير الشرائح ، لا لأن البث التجريبي الجديد بدا لهم كأنه يغطي مساحة أكبر ، وإنما أيضا كنوع من تقديم قرابين الطاعة لنفي أي بقايا جذور ولاءات وانتماءات سابقة ، تجعلهم عرضة لترصد أعين المراصد ، التي قد تجعلهم خارج السياج الجديد .. وكذلك ليضمنوا لأنفسهم موطئ قدم منذ البداية .
ويعد تغيير الشرائح بروتوكولا وتقليدا متعارفا عليه لدى كثير من الشعوب يرافق دائما أي تحولات سياسية أو عسكرية تؤدي إلى تنصيب حكومة أو نظام جديد ، وهذا أمر معتاد عليه مع كل المتغيرات السابقة .. وهذا النوع من السلوك يجعل من الصمت تيارا أقوى من لغة الكلام .
وأخيرا نأتي إلى فريق آخر أيضا في هذا المناخ ، وهذه الأجواء ، فريق ذنبه الوحيد أنه كان يحث الخطى ويسعى جاهدا إلى الانعتاق من ربق التبعية و النأي بحضارة 5 ألف عام عن الانصهار والذوبان ، مع أن ذلك كان تحت مبدأ لاضرر ولاضرار ! إلا أن هذا الفريق حظه العاثر أوقعه في محيط عاش زمنا طويلا فاقدا السيادة حتى استمرأها وظن أن العيش في ظلها هو الأصل وهو الوضع الطبيعي .. وباتت لديه نظرة مشوشة .. يرى من خلالها أن سيادة القرار ذنب وجرم لايغتفر .. والتبعية والإنقياد هي الفضيلة والبر، وهذا الفريق ستتعطل لديه لغة الكلام تماما ، وليس أمامه إلا الصمت .
وفي ظل كل هذه المتغيرات يبقى الصمت هو الخيار الأمثل - حتى تتحدد معالم الطريق ، ويبقى خير أقوال البشر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) البخاري .