التلاحم الجنوبي ضرورة ملحّة في ظلّ التكالب الإعلامي والسياسي والتحشيد الحو.ثي– الإخو.اني
الأحد - 21 ديسمبر 2025 - 01:09 ص
صوت العاصمة/ متابعات
في لحظة تاريخية فارقة يمرّ بها الجنوب، تتكثّف حملات الاستهداف وتتداخل أدواتها بين إعلام مُسيّس، وضغوط سياسية موجّهة، وتحشيد عسكري وأمني تقوده قوى لا تخفي عداءها لمشروع الجنوب وحقه في تقرير مصيره. وفي قلب هذا المشهد المعقّد، يبرز التلاحم الجنوبي بوصفه خط الدفاع الأول، وشرط الصمود والعبور الآمن نحو المستقبل.
لم يعد التكالب الراهن مجرد اختلاف في الرؤى أو تنافس سياسي مشروع، بل تحوّل إلى حرب مركّبة تستهدف الوعي قبل الجغرافيا، وتضرب الثقة قبل المؤسسات. فآلة التضليل الإعلامي تسعى إلى تشويه الحقائق، وخلق انقسامات مصطنعة، وبثّ الإحباط، بينما تعمل غرف السياسة على تطويق القرار الجنوبي ومحاصرته، في الوقت الذي يترافق فيه ذلك مع تحشيد مباشر وغير مباشر تقوده جماعة الحوثيون، ويتقاطع معها تنظيم الإخوان المسلمون، كلٌّ وفق أجندته، لكنهما يلتقيان عند هدف واحد: إضعاف الجنوب وإرباك مساره.
إن أخطر ما في هذه المرحلة ليس حجم المؤامرات بقدر ما هو خطر التشرذم الداخلي. فالتجارب أثبتت أن الانقسامات الصغيرة تتحوّل سريعًا إلى فجوات واسعة تنفذ منها القوى المعادية. لذلك، فإن التلاحم الجنوبي لا يُعدّ ترفًا سياسيًا ولا شعارًا عاطفيًا، بل ضرورة وطنية ملحّة تفرضها معادلة الصراع القائمة، حيث لا مكان للحياد، ولا رفاهية للخلافات الثانوية.
التلاحم المنشود لا يعني إلغاء التنوّع أو مصادرة الرأي المختلف، بل يعني تنظيم الاختلاف داخل إطار وطني جامع، يضع الثوابت فوق الاعتبارات، ويقدّم المصلحة العامة على الحسابات الضيقة. وهو تلاحم يبدأ من الوعي الشعبي، ويمتد إلى النخب السياسية والإعلامية، ويترسّخ عبر مؤسسات قادرة على إدارة الخلاف دون أن تسمح بتحويله إلى أداة هدم.
وفي ميدان الإعلام، تبرز الحاجة إلى خطاب جنوبي مسؤول، يواجه التضليل بالحقيقة، ويقابل الشائعة بالمعلومة، ويُفشل محاولات شيطنة الجنوب أو تصوير قضيته كأزمة هامشية. فالإعلام هنا ليس ناقلًا للأحداث فحسب، بل ساحة مواجهة لا تقل أهمية عن أي جبهة أخرى، وأي اختراق فيها ينعكس مباشرة على المعنويات والاصطفاف الشعبي.
أما سياسيًا، فإن وحدة الموقف الجنوبي تمثّل رسالة واضحة للخارج بأن الجنوب صاحب قرار وليس ساحة مفتوحة للتجاذبات. فكلما كان الصف الجنوبي متماسكًا، تقلّصت فرص الابتزاز، وتراجعت قدرة الأطراف المعادية على فرض حلول تتجاوز الإرادة الشعبية أو تلتفّ على الحقوق المشروعة.
وعلى مستوى التحشيد والتهديدات، فإن التلاحم الشعبي والأمني يشكّل عامل ردع حقيقي. فالجنوب الذي يقف موحّدًا خلف قضيته، ويدرك طبيعة خصومه، ويُحسن إدارة موارده وإمكاناته، يصعب كسره أو إخضاعه. وهذا ما يفسّر تصاعد حملات الاستهداف كلما تقدّم الجنوب خطوة في ترسيخ حضوره وقراره.
خلاصة القول، إن الجنوب اليوم أمام اختبار وعي ومسؤولية. فإمّا أن يتحوّل التلاحم إلى ثقافة راسخة وسلوك يومي يُفشل كل مخططات الإرباك، وإمّا أن تُمنح القوى المعادية فرصة ثمينة لاختراق الصفوف. وبين هذا وذاك، يبقى الخيار واضحًا: وحدة الصف، وتماسك الجبهة الداخلية، والالتفاف حول الثوابت… فهي وحدها القادرة على حماية الجنوب، وصون تضحياته، وفتح الطريق نحو مستقبل يليق بإرادة شعبه.