الجنوب يكتب بداية جديدة وعهدً جديد ..
الخميس - 25 ديسمبر 2025 - 12:52 ص
صوت العاصمة/ كتب : عبدالباسط القطوي
كأن التاريخ لا يملّ من إعادة نفسه، غير أن الفارق بين الأمس واليوم هو أن الجنوب لم يعد ذلك الطرف الذي يُساق إلى المصير ذاته بعينين مغمضتين ما يجري اليوم يعيد إلى الأذهان سيناريو 1994 اللذي أغرق الجنوب بالدماء، لكن بطل هذه الحلقة ليس الجنوب المستباح، بل ربان سفينته وقائد مشروعه الوطني، الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، الذي يقود معركة سياسية وشعبية عنوانها استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.
للوقوف على المشهد الراهن، لا بد من العودة إلى 22 مايو/أيار 1990، حين اندفع الجنوبيون إلى وحدة بحسن نية وفكر قومي عربي صادق، غير مدركين أنهم يسيرون إلى كمين مُحكم نظمته عصابات الشمال، حيث كان اتفاق الوحدة ينصّ بوضوح على أن أي خلل في الشراكة يتيح لأي طرف العودة إلى دولته، لكن ما جرى لم يكن على ما في الاتفاق بل كانت خديعة سياسية وعسكرية نسج خيوطها علي عبدالله صالح وعصابته الإجرامية، كانت أولى أدوات تلك الخديعة دمج الجيوش، الذي كان ظاهرها الوحدة وباطنها تفكيك القوة الجنوبية، رغم أن الجيش الجنوبي آنذاك كان يتفوق تسليحًا وتنظيمًا على جيوش دول الخليج.
تم الزج بالقوات الجنوبية في عمق مناطق الشمال، وسط قبائل مسلحة، كي تُحاصر بهذه القبائل، بينما أُفرغت المحافظات الجنوبية من قواتها، ولم يُترك فيها سوى عدد محدود من ألوية المشاة، كي يتسنى لهم اجتياح الجنوب. لم تمضِ أشهر على توقيع اتفاقيات الوحدة حتى بدأت الاغتيالات تطال القادة والكوادر الجنوبية واحدًا تلو الآخر. عندها أدرك الجنوبيون أنهم وقعوا في فخ تاريخي، وأن الشراكة لم تكن سوى مرحلة انتقالية نحو الإقصاء الممنهج، واستمرت الاغتيالات والإخفاء القسري حتى عام 1994، حينها أعلن الرئيس علي سالم البيض فك الارتباط والعودة إلى ما قبل الوحدة، لكن موازين القوى كانت قد حُسمت سلفًا.
أعلن صالح حربه على الجنوب، مدعومة بفتاوى دينية من كبار علماء الشمال تُحلل دم الجنوبي وتصفه بالكفر والشيوعية والماركسية، كانت حرب إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ قُتل الأطفال والنساء وكبار السن، ودُمّرت المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ودخلت قوات الغزو عدن بعقلية المنتصر المتوحش، لا بروح الدولة أو السياسة، مستعينًا لاجتياح الجنوب بجماعة الأفغان الإرهابية يومها. طالب الجنوب العالم بوقف الجرائم التي يرتكبها نظام صنعاء ووقف الاجتياح، فصدرت بيانات إدانة خجولة، كان أبرزها من المملكة العربية السعودية، لكنها بقيت حبرًا على ورق. انتصر صالح بالقوة، وابتلعت أدراج السياسة كل تلك المواقف.
منذ ذلك اليوم، دخل الجنوب نفقًا طويلًا من الإقصاء والتجريف.. عمل نظام صالح على طمس الهوية الجنوبية، وزرع مؤسسات الدولة بعناصر موالية له، شمالية وجنوبية بالاسم فقط، بينما كان الولاء المطلق لشخص الحاكم شرط البقاء، احتُكر القرار السياسي، وصودرت الصحافة والإعلام، وأُسكت كل صوت جنوبي يحاول الحديث عن قضيته.. حتى التعليم، الذي كان الجنوب يتصدر فيه عربيًا بنسبة أمية تقارب الصفر، جرى تدميره بشكل ممنهج، لتصل الأمية إلى نحو 70%. كانت تلك السنوات جحيمًا بالنسبة للجنوبيين؛ زُرعت في الجنوب معسكرات إرهابية بما يسمى تنظيم القاعدة وداعش، وأُعيد المشائخ ودُجّجوا بالمال والسلاح، وزُرعت الثارات لأجل أن ينشغل الجنوبيون بالثارات بين القبائل، ليتسنى له البقاء في جاثمًا على الجنوب وثرواته دون منازع، ودُمّر التعليم والمؤسسات والشركات التي كانت تغطي بشكل كبير من الأيدي العاملة.
وفي ثورة 2011 سقط صالح من الحكم، ولكن بقي الجيش مواليًا لصالح حتى عام 2015 سلّم نظام صالح الدولة للحوثيين، حينها أعاد الجنوب ترتيب صفوفه، وبدأت المقاومة الجنوبية بالمواجهة، وبإسناد من دول التحالف تحرر الجنوب من المشروع الحوثي–العفاشي. وفي عام 2017 تشكّل المجلس الانتقالي الجنوبي، بوصفه الحامل السياسي الأوضح للقضية الجنوبية، وبتأييد شعبي جنوبي جامع عبّر عن إرادة شعبية تبحث عن استعادة الدولة،
وبدهاء وعبقرية سياسية من الرئيس الزبيدي، دخل المجلس الانتقالي حكومة المناصفة، ثم مجلس القيادة الرئاسي عام 2022، حيث أصبح الرئيس عيدروس الزبيدي نائبًا لرئيس المجلس وممثلًا للقضية الجنوبية في إطار معترف به إقليميًا ودوليًا. كانت القضية الجنوبية حاضرة على الطاولة في كل الحوارات والاجتماعات، ودخل الزبيدي هذه الشراكة بشروط واضحة، في مقدمتها تنفيذ اتفاق الرياض. وعلى هذا الأساس، أطلقت القوات المسلحة الجنوبية عملية «المستقبل الواعد» في حضرموت والمهرة، لتثبيت الأمن واستكمال السيطرة على الأرض.
اليوم، وبعد تطهير معظم الأراضي الجنوبية من بقايا نظام صالح وأدواته، تعود لغة البيانات والإدانات من أطراف اعتادت الاحتماء بشرعية فقدت معناها، حيث خرج رشاد العليمي بموقف لا يُحسد عليه، ومن خلفه القنوات الإخوانية، ليستنكروا ويدينوا، معتقدين أن الضجيج السياسي والتأويل الإعلامي قادران على كبح مشروع الجنوب. لكن الحقيقة: كلما ارتفع نعيقهم، جاءهم الزبيدي بصفعات أكبر وأقوى، وكان آخرها إعلان وزراء ونواب وزراء ومحافظين ومؤسسات تأييدهم لتحركاته نحو استعادة الدولة.
يظن خصوم الجنوب أن العالم سيقف معهم ضد الزبيدي، متناسين حقيقة بسيطة: أن الزبيدي مصدر قوته شعب عظيم وجبار، لا يعرف الانكسار ولا الانحناء إلا للخالق، يخرج اليوم في كل الساحات، من عدن إلى المكلا، مطالبًا بإعلان الاستقلال واستعادة دولته الجنوبية الحديثة كاملة السيادة.