ثورة 26 سبتمبر لا تعني أبناء الجنوب... جدل الهوية والانتماء في اليمن
السبت - 27 سبتمبر 2025 - 03:11 ص
صوت العاصمة / تقرير / حسام دبان
في خضم الجدل المتجدد حول الهوية الوطنية والانتماء السياسي في اليمن، خرجت تصريحات واضحة من أبناء الجنوب تؤكد أن ثورة 26 سبتمبر 1962 لا تمثلهم ولا تعنيهم بشيء، مؤكدين أن نضالهم الوطني يتمثل في ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني، وعيد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، وهما التاريخان اللذان يخلدهما الجنوبيون كمحطات رئيسية في مسيرة كفاحهم.
*السياق التاريخي للثورة*
ثورة 26 سبتمبر هي ثورة قامت في شمال اليمن ضد نظام المملكة المتوكلية اليمنية، في محاولة لإسقاط الحكم الإمامي الوراثي وإعلان الجمهورية العربية اليمنية. وقد قادها ضباط من الجيش أبرزهم المشير عبد الله السلال، وتمت في 26 سبتمبر 1962، بعد انقلاب على الإمام محمد البدر حميد الدين. دخلت البلاد إثرها في حرب أهلية استمرت حتى عام 1970، بين الجمهوريين المدعومين من مصر والاتحاد السوفيتي، والملكيين المدعومين من السعودية وأطراف أخرى.
*الجنوب ومساره المختلف*
في الوقت الذي كانت فيه هذه الأحداث تدور في شمال اليمن، كان جنوب اليمن تحت الاحتلال البريطاني منذ 1839، وتحديدًا مدينة عدن التي كانت مركزًا استراتيجيًا هامًا. لم تكن ثورة 26 سبتمبر ذات صلة مباشرة بأبناء الجنوب، لا جغرافيًا ولا سياسيًا، ولذلك يرون أن نضالهم الحقيقي بدأ مع ثورة 14 أكتوبر 1963 من جبال ردفان، والتي كانت موجهة ضد الاستعمار البريطاني، وليس ضد نظام داخلي يمني كما في حالة الشمال.
*وحدة مفروضة أم شراكة وطنية؟*
في عام 1990، تم إعلان الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، لكن تلك الوحدة لم تصمد طويلًا أمام التحديات السياسية والعسكرية، واندلعت حرب 1994 التي يعتبرها كثير من الجنوبيين "اجتياحًا عسكريًا" قضى على الشراكة، وحوّل الجنوب إلى منطقة "ملحقة" بالشمال سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا.
منذ تلك اللحظة، عاد الجدل بقوة حول معنى الأعياد الوطنية، وبرزت أصوات جنوبية تقول صراحة إن ثورة 26 سبتمبر ليست عيدًا وطنيًا جامعًا، بل تخص الشمال وحده، في حين أن الجنوب له مناسباته الوطنية الخاصة التي يجب احترامها وعدم تهميشها في الخطاب الرسمي.
*من حقائق التاريخ إلى مشروعية الموقف*
من الناحية التاريخية، لا يمكن إنكار أن ثورة 26 سبتمبر وقعت في الشمال فقط، ولم يكن للجنوب دور فيها. وبالمثل، فإن ثورة 14 أكتوبر انطلقت من الجنوب ضد الاستعمار البريطاني دون مشاركة فعلية من الشمال. هذا يعكس بوضوح أن لكل جزء من اليمن تاريخه الكفاحي المختلف.
أما على مستوى الموقف السياسي اليوم، فإن تصريحات الجنوبيين بعدم الاعتراف بثورة 26 سبتمبر كمناسبة وطنية تعكس رغبة في استعادة الهوية الجنوبية المستقلة، في ظل مشاعر التهميش والسيطرة التي تكونت بعد الوحدة.
*هل من مستقبل مشترك؟*
يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن أن تتسع الذاكرة الوطنية لتشمل كل التواريخ والرموز، أم أن اليمنيين ماضون في طريق التشظي والهويات المنفصلة؟ ما بين شمال يرى في 26 سبتمبر جوهر هويته الوطنية، وجنوب يرى في 14 أكتوبر و30 نوفمبر رموزه الخاصة، تبدو الحاجة ملحة إلى حوار وطني صريح يعيد تعريف مفاهيم الانتماء والشرعية والتاريخ المشترك.
*الخلاصة..*
القول بأن "ثورة 26 سبتمبر لا تعني أبناء الجنوب" ليس مجرد تصريح عابر، بل هو موقف سياسي وهوياتي عميق، يعكس أزمة الانقسام التاريخي الذي لم تعالجه الوحدة، بل ربما عمقته. فإما أن يُبنى وطنٌ يعترف بجميع التواريخ، أو أن يستمر كل طرف في بناء سرديته الخاصة عن "الوطن" و"الثورة" و"الهوية".