في اليوم العالمي للطفولة.. الجنوب يزرع الأمل لغدٍ أجمل
الخميس - 20 نوفمبر 2025 - 11:32 م
صوت العاصمة /تقرير/ مريم بارحمة
في كل عام، يأتي اليوم العالمي للطفولة – 20 نوفمبر ليعيد إلى الواجهة واحدة من أهم القضايا الإنسانية التي لا ينبغي للعالم أن يتوقف عن الدفاع عنها: حقوق الطفل. غير أن هذا اليوم، حين يمرّ على الجنوب عموماً والعاصمة عدن على وجه الخصوص، لا يشبه مروره في أي مكان آخر. فهنا، في هذه الأرض التي أنهكتها الحرب، وتحمّلت أجيال من الأطفال عبء التحولات والصراعات، يصبح الحديث عن الطفولة عملاً أخلاقياً، ونضالاً وطنياً، ورسالة حضارية تتجاوز حدود الاحتفال إلى حدود الواجب.
في الجنوب، لا يُنظر إلى اليوم العالمي للطفولة بوصفه مناسبة عابرة، بل ك نافذة لاستحضار تحديات الأطفال، ولتجديد الالتزام بحماية حقوقهم، ورسم سياسات تربوية واجتماعية تدعم مستقبلهم. أما في عدن، المدينة التي حملت تاريخياً لواء المدنية والتعليم والانفتاح، فإن الطفولة هنا لا تزال تمتلك خصوصيتها، رغم كل ما مرّ بها من أزمات.
-عدن مدينة تتنفس الطفولة رغم الوجع
ورغم المعاناة، تبقى عدن مدينة ولّادة للأمل. فبين شوارعها التي ضمّت آلاف المدارس القديمة، وأحواشها التي كانت ملعباً لأحلام الصغار، لا تزال الطفولة حاضرة، ولو بشكل متعب. يوم الطفولة العالمي يتحوّل في عدن إلى رسالة مزدوجة: احتفاء بالأمل، وتذكير بالمعاناة.
في هذه المدينة التي تحمل ملامح التاريخ على جسدها، يقف الطفل الجنوبي شاهداً على كثير من التحديات: مدارس تعاني من نقص الإمكانيات، وبيئة تعليمية تحتاج إلى ترميم ودعم، أسرٌ أثقلت كاهلها الظروف الاقتصادية، وتداعيات الحرب التي حرمت الكثير من الأطفال طفولتهم الطبيعية.
ومع ذلك، فإن أطفال العاصمة عدن والجنوب، كما اعتادوا، يبتكرون طرقاً للفرح، ويرسمون أحلامهم بألوان بسيطة، ويبتسمون رغماً عن كل شيء.
-الاحتفال الذي يتحول إلى رسالة وطنية
على امتداد الجنوب، تتنوع فعاليات اليوم العالمي للطفولة بين الندوات والأنشطة المدرسية والرسائل المجتمعية، غير أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو الدعوة إلى حماية الطفل الجنوبي من الأخطار التي تحيط به. ومن بين تلك الأخطار: التسرب المدرسي، عمالة الأطفال، والاستغلال في النزاعات، والفقر وسوء التغذية، ونقص الخدمات الصحية، وتأثير المحتوى الرقمي غير الآمن
وفي العاصمة عدن ومحافظات الجنوب، تحاول المؤسسات التربوية والمنظمات المجتمعية إيجاد مساحة آمنة للأطفال، ولو مؤقتاً، من خلال برامج نفسية وترفيهية وتعليمية، تُسهم في تعزيز روح الانتماء لدى الأطفال، وتحفّزهم على الاستمرار في الدراسة رغم كل المصاعب.
-الطفولة في الحروب
يمكن القول إن الأطفال كانوا أكثر الفئات عرضة لتأثيرات الحرب. فالتقارير المحلية تشير إلى أن آلاف الأطفال واجهوا تحديات خطيرة خلال السنوات الماضية، منها النزوح، وفقدان ذويهم، وتراجع جودة التعليم، وغياب الخدمات الأساسية.
كما شهدت بعض مناطق الجنوب حالات متزايدة من التسرب المدرسي، نتيجة الفقر أو بُعد المدارس أو تدهور الخدمات. هذا التحدي دفع كثيراً من الجهات المحلية والمنظمات إلى إطلاق مبادرات خاصة لإعادة الأطفال إلى المدارس، معتبرين أن التعليم هو خط الدفاع الأول عن مستقبل الجنوب.
ورغم هذه الظروف الصعبة، لا يزال الجنوبيون يؤمنون بأن الطفولة هي أساس بناء الدولة، وأن حماية الطفل ليست مجرد واجب إنساني، بل مسؤولية سياسية ووطنية أيضاً. فالطفل هو مشروع مواطن، ومشروع قائد، ومشروع وطن.
-تقييم الواقع وتخطيط المستقبل
تسعى المؤسسات التربوية في الجنوب إلى الاستفادة من هذا اليوم عبر صياغة خطط واقعية قابلة للتنفيذ، تهدف إلى: تحسين جودة التعليم. وتطوير البنية التحتية المدرسية. وتوفير بيئة آمنة للأطفال. ودعم الصحة النفسية للأطفال المتأثرين بالحرب. ومواجهة العنف الأسري والعنف المدرسي. وحماية الأطفال من الاستغلال الرقمي. وبناء إطار قانوني يحمي حقوق الطفل.
وتعمل الجهات الحكومية والمجتمعية على التعاون مع المنظمات الإنسانية لتعزيز هذه الجهود، بمنظور لا يكتفي بترميم الحاضر، بل يستشرف المستقبل.
عدن صورة أخرى للطفولة المُلهِمة
رغم كل ما مرّت به، لا تزال العاصمة عدن قادرة على تقديم نموذج مختلف في التعامل مع الطفولة. ففي هذه المدينة التي تشكل مركز الاستقرار السياسي والإداري للجنوب، يُنظر إلى الطفل باعتباره رمزاً للاستمرارية. تظهر هذه الروح في: الأنشطة المدرسية التي تسعى المدارس لإقامتها رغم قلة الإمكانيات، ودور المعلمين الذين يعملون بإخلاص يفوق ما يحصلون عليه من موارد. كذلك المبادرات الأهلية التي توفر حقائب مدرسية، أو ترمم مدارس، أو تقدم جلسات دعم نفسي.
وتبقى العاصمة عدن، بكل أحيائها من كريتر إلى التواهي والشيخ عثمان والبريقة، مدينة تُنجب أطفالاً يؤمنون بالعلم، ويعرفون معنى السلام، ويشعرون أن لهم مكاناً في المستقبل مهما كان الطريق وعراً.
-الأطفال حملة راية الغد
لا يمكن الحديث عن الطفولة في الجنوب دون الاعتراف بأن كثيراً من الأطفال عاشوا تجارب لا تليق بطفولتهم. فهناك أطفال اضطروا للعمل لإعالة أسرهم، وآخرون تركوا الدراسة، وفئة ثالثة تعرّضت لصدمة نفسية بسبب الحروب. ومع ذلك، فإن هذا الجيل يظل قادراً على النهوض، إذا ما توفر له: تعليم جيد ،وبيئة أسرية مستقرة، ورعاية صحية، ودعم نفسي، وبرامج اكتشاف المواهب وتنميتها
إن الجنوب اليوم أمام مسؤولية تاريخية: إعادة بناء الطفولة قبل إعادة بناء المدن.
-دعوة لصناعة جيل قيادي
تهدف فعاليات هذا اليوم العالمي للطفولة في الجنوب إلى إرسال رسالة واضحة:
أن مستقبل الجنوب يبدأ من الطفل، وأن أي مشروع وطني لن يكتمل إلا بوجود جيل متعلم، واعٍ، نفسيته سليمة، وهويته راسخة.
وتحرص مدارس الجنوب على: ترسيخ قيم الانتماء الوطني، وتعليم الأطفال مبادئ السلام والتسامح. وتعزيز روح المشاركة المجتمعية. وتنمية المهارات الحياتية. وغرس مفهوم الهوية الجنوبية بوصفها إطاراً للقيم والأخلاق والانتماء.
هذا الوعي المبكر يعد الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها مشروع الدولة الجنوبية القادمة.
-الطفولة ليست شعارات
في هذا اليوم العالمي، تتعالى أصوات الجنوبيين مطالبةً العالم بأن يرى الأطفال هنا كما هم: أطفالاً يستحقون الحياة، التعليم، الأمان، والرعاية.
وتؤكد القيادات المجتمعية والتربوية أن الجنوب، رغم ضعف الإمكانيات والتحديات، يبذل جهوده للحفاظ على حقوق الطفل، لكن الأمر يحتاج إلى دعم أكبر، وإلى رؤية استراتيجية تُنفذ على أرض الواقع.
-رسالة اليوم العالمي للطفولة من عدن والجنوب إلى العالم
تقول العاصمة عدن في هذا اليوم: "هنا أطفال، يحملون مستقبلاً، ينتظرون دعماً، ويستحقون فرصة. لا تتركوهم ضحية الفقر. امنحوهم حقهم في التعليم واللعب والأمان. فالأوطان تُبنى من قلب طفل، ومن حلم طفل، ومن ابتسامة طفل."
فالطفولة ليست مرحلة عابرة، بل حجر الأساس لكل نهضة. وإذا أراد الجنوب أن يسير نحو مستقبله بثبات، فعليه أن يبدأ من حيث يجب: من الطفل.
-وعد الجنوب لأطفاله
في اليوم العالمي للطفولة، يجدد الجنوب والعاصمة عدن التزامهما بخلق واقع مختلف للطفولة، واقع أكثر أماناً، أكثر صحة، وأكثر إنسانية.
ورغم التحديات، تبقى الإرادة الجنوبية أقوى من الظروف، ويبقى الطفل بالجنوب نواة مشروع وطني كبير يتشكل على مهل، ويولد من بين الأنقاض والوجع، لينحت غداً أفضل. ويظل أطفال الجنوب هم أمل الأرض، ووردة الشمس، وراية المستقبل؛ هم الذين سيكتبون فصول الدولة القادمة، وسيحملون راية السلام والحياة.