انتحار صامت للتعليم في المناطق المحررة … أرقام صادمة وغياب التخطيط يهددان المستقبل
الخميس - 23 أكتوبر 2025 - 07:03 م
صوت العاصمة| خاص | د. سالم أحمد مثنى البكري_
لم يعد المشهد التعليمي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي مجرد ازمة عابرة ، بل تحول الى عملية انهيار منهجية تهدد النسيج الاجتماعي ومستقبل الدولة، حيث يمر التعليم اليوم بأسوأ أزمة في تاريخه الحديث، متجاوزًا كونه مجرد قطاع خدمي، ليصبح تهديدًا وجوديًا للأمة بأكملها. ففي المناطق المحررة، التي يُفترض أن تكون قاعدة للاستقرار وبوابة للبناء الوطني، يواجه النظام التعليمي حالة من "الاحتضار الهادئ"، متجهًا بخطى ثابتة نحو الهاوية، وسط صمت رسمي وغياب تام لأي تخطيط استراتيجي.
*الاحتضار الهادئ: النظام التعليمي بين الركام والفوضى*
لم يعد الوضع مجرد أزمة يمكن احتواؤها، بل تحول إلى انهيار شامل. المدارس تتداعى، والبنية التحتية تنهار، فيما تجمد التوظيف منذ سنوات، مما أحدث فجوة هائلة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. الأخطر من ذلك، عزوف خريجي الثانوية العامة عن الالتحاق بكليات التربية، مما ينذر بفقدان "شريان الحياة" للنظام التعليمي خلال السنوات القادمة.
الهجرة الداخلية: التفجّر الصامت للهوة التعليمية
تفاقمت الأزمة بفعل الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، فظهرت مشاهد صادمة:
مدارس حضرية مكتظة بأكثر من 100 طالب في الفصل الواحد.
مدارس ريفية أشباح تكاد تخلو من الطلاب.
هذا الخلل في التوزيع الجغرافي عمّق الفجوة بين الريف والمدينة، وخلق بيئة تعليمية منهكة تدفع المعلمين للانسحاب من الميدان، ليصبحوا "مديري أزمة" داخل فصول مكتظة بلا دافعية أو إبداع.
*أرقام صادمة… واقع مأساوي يكشف حجم الكارثة*
تشير البيانات الرسمية والدراسات البحثية، ومنها دراسة الكاتب المنشورة في مجلة "التواصل" (جامعة عدن، 2020) بعنوان تأثيرات الحروب والصراعات المسلحة على التعليم في اليمن، إلى
واقع مأساوي في مناطق سيطرة الحكومة وبحسب الارقام الواردة في الدراسة :
بلغ عدد المدارس في العام الدراسي 2015/20214م : 4,600 مدرسة (تمثل 31% من إجمالي مدارس اليمن آنذاك).
عدد الطلاب: 1,787,700 طالب وطالبة.
عدد المعلمين: 83,700، بمعدل 21 طالبًا لكل معلم.
ومع انقضاء عقد من الزمن لاحقًا، ارتفع عدد الطلاب إلى نحو 2.4 مليون، أي بزيادة تقارب 583 ألف طالب، دون أي توسع في المدارس أو تعويض النقص في الكوادر، مما أدى إلى عجز بنيوي خانق يلتهم أساس التعليم.
تآكل الكفاءة وانهيار القيمة التعليمية
لم يقتصر الانهيار على المباني والبنية التحتية، بل امتد إلى جوهر العملية التعليمية:
انهيار الكفاءة الداخلية: ارتفاع معدلات الرسوب والتسرب الدراسي وفقدان جودة التعليم والتقويم.
انهيار الكفاءة الخارجية: الشهادات التعليمية فقدت قيمتها في سوق العمل، ولم تعد المخرجات تلبي الحد الأدنى من متطلبات التنمية.
استقرار وهمي وإصلاح غائب
رغم وصف بعض المناطق بـ"الاستقرار النسبي"، يعيش التعليم فيها حالة احتراق بطيء. غياب الرؤية الاستراتيجية، وتدهور البنية التحتية، وانهيار الوضع المعيشي للمعلمين، حول هذا الاستقرار إلى قشرة براقة تغطي رماد الانهيار، دون أي تحسن جذري يُذكر.
الخطر المجتمعي ومستقبل الأجيال على المحك.
انهيار التعليم ليس مجرد أزمة قطاعية، بل كارثة شاملة تهدد:
رأس المال البشري: ومهارات الأجيال القادمة.
الاستقرار الاجتماعي: بإنتاج جيل غير مؤهل للمشاركة في التنمية.
الأمن القومي: فالشعوب الجاهلة بيئة خصبة للفوضى والصراعات.
*نداء عاجل: إنقاذ التعليم واجب وطني وجودي*
إنقاذ التعليم في اليمن لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية لنجاة الوطن. ويستلزم ذلك حزمة عاجلة من الإجراءات:
بناء مدارس جديدة في المناطق المكتظة لاستيعاب الزيادة الطلابية.
فتح باب التوظيف لتعويض النقص الحاد في المعلمين وتأهيلهم.
إعادة توزيع الكوادر التعليمية والموارد بعدالة لسد الفجوة بين الريف والمدينة.
أي تأخير في إنقاذ التعليم يعني توقيع "شهادة وفاة" لجيل كامل، ومقامرة قاتلة بمستقبل اليمن. فالتعليم قضية بقاء للأمة، وأي تراخٍ يعني أن الوطن يسير بخطى ثابتة نحو المجهول.